الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله يوسف علية السلام، وإن من الفوائد أيضا هو أن الإخلاص لله تعالى أكبر الأسباب لحصول كل خير، واندفاع كل شر، كما قال تعالى فى كتابه العزيز فى سورة يوسف ” كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ” وإن من الفوائد أيضا هو ما دلت عليه القصة من العمل بالقرائن القوية من عدة وجوه، ومنها حين ادعت امرأة العزيز أن يوسف راودها، وقال هي راودتنى عن نفسي، فشهد شاهد من أهلها، أي أنه حكم حاكم بهذا الحكم الواضح، وكانت قد شقت قميص يوسف عليه السلام وقت مراودتها إياه فقال تعالى ” إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ” لأنه يدل على إقباله عليها، وأن المراودة صادرة منه ” وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ”
فكان هذا هو الواقع، لأنها تريده، وهو يفر منها ويهرب عنها، فقدت قميصه من خلفه، فتبين لهم إنها هي المراودة في تلك الحال، وبعد ذلك اعترفت اعترافا تاما، حيث قالت، ما قاله تعالى فى سورة يوسف ” الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين ” ومن العمل بالقرائن وجود الصواع في رحل أخيه، وحكمهم عليه بأحكام السرقة لهذه القرينة القوية، وإن من الفوائد أيضا هو أنه ينبغي للعبد أن يبتعد عن أسباب الفتن، ويهرب منها عند وقوعها، كما فعل يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز، وإن من الفوائد أيضا ما عليه يوسف صلوات الله عليه من الجمال الظاهر الذي أخذ بلب امرأة العزيز وشغفها حبا، وحين رأته النسوة قطعن أيديهن وأكبرنه.
وقلن ” حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ” وإن من الجمال الباطن، وهو العفة والإخلاص الكامل والصيانة، وإن من الفوائد أيضا وهو أنه ينبغي للعبد أن يلتجأ إلى الله تعالى عند خوف الوقوع في فتن المعاصي والذنوب، مع الصبر والاجتهاد في البعد عنها، كما فعل يوسف عليه السلام ودعا ربه، فقال ” وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ” وإن العبد لا حول ولا قوة ولا عصمة له إلا بالله تعالى، فالعبد مأمور بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور مع الاستعانة بالملك الشكور، وإن من فوائد قصة يوسف عليه السلام، وهو أن استعمال الأسباب الواقية من العين أو غيرها غير ممنوع، بل جائز ومستحب بحسب حاله، وإن كانت جميع الأمور بقضاء الله وقدره، بشرط أن يفعل العبد الأسباب وهو معتمد على مسببها.
لأن يعقوب عليه السلام حين أراد أن يوصي بنيه لما أرسل بنيامين معهم قال ” يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقه، وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت ” وإن من الفوائد أيضا هو جواز استعمال الحيل والمكائد التي يتوصل بها إلى حق من الحقوق الواجبة والمستحبة أو الجائزة، كما استعمل نبى الله يوسف عليه السلام ذلك مع أخيه حيث وضع السقاية في رحل أخيه، ثم أذن مؤذن بعد رحيلهم ” أيتها العير إنكم لسارقون ” إلى قوله تعالى كما جاء فى سورة يوسف ” فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك ” وإن من الفوائد أيضا هو استعمال المعاريض عند الحاجة إليها، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك من وجوه.
ومنها قوله ” ثم استخرجها من وعاء أخيه ” ولم يقل سرقها وكذلك قوله ” معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ” ولم يقل من سرق متاعنا، وإذا قيل، إن هذا اتهام للبريء، بل قيل إنما فعل ذلك بإذن أخيه ورضاه، وإذا رضي، زال المحذور، وإن من الفوائد أيضا هو أن الإنسان لا يحل له أن يشهد إلا بما يعلم، لقولهم ” وما شهدنا إلا بما علمنا ” وإن العلم يحصل بإقرار الإنسان على نفسه وبوجود المسروق ونحوه معه، وفي يده أو رحله، وإن من الفوائد أيضا هو هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالفراق بينه وبين يوسف عليه السلام هذه المدة الطويلة، التي يغلب على الظن أنها تبلغ ثلاثين سنة فأكثر، وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه، وهو دائم البكاء حتى ابيضت عيناه من الحزن، وفقد بصره.