أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 9″

الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 9″

ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله يوسف علية السلام، فلهذا قال سبحانه وتعالى فى في ذكر السبب الموصل لهذه الغاية الجليلة فى سورة يوسف” وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ” وأما رؤيا الفتيين، حيث ” قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله ” فتلطفوا ليوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، وذلك لما شاهدوا من إحسانه للأشياء، وإحسانه إلى الخلق، ففسّر رؤيا مَن رأى أنه يعصر خمرا بأنه ينجو من سجنه، ويعود إلى مرتبته وخدمته لسيده، فيعصر له العنب الذي يؤول إلى الخمر، وأيضا فسّر رؤيا الآخر بأنه يُقتل، ثم يُصلب فتأكل الطير من رأسه، فإن الأول رؤياه جاءت على وجه الحقيقة.

والآخر رؤياه جاءت على وجه المثال، وأنه يقتل ومع قتله يصلب، ولا يدفن حتى تأكل الطيور من رأسه، وهذا من الفهم العجيب والغوص إلى المعاني الدقيقة، وإن من كمال يوسف عليه السلام ونصحه وفطنته العجيبة أنهما لما قصّا عليه رؤياهما، تأنى في تعبيرها، ووعدهما بتعبيرها بأسرع وقت، فقال الله تعالى فى سورة يوسف ” لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ” فوعدهما بتعبيرها قبل أول طعام يأتيهما من خارج السجن، ليطمئنا ويشتاقا إلى تعبيرها، وليتمكن من دعوتهما، وذلك ليكون أدعى لقبول الدعوة إلى الله، وأما رؤيا الملك، فإنه رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف، وسبع سنبلات خضر يأكلهن ويستولي عليهن سبع سنبلات يابسات ضعيفات، فهالته وجمع لها كل من يظن فيه المعرفة.

فلم يكن عند أحد منهم علم بتعبيرها، وقالوا ” أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ” وبعد هذا تفطن الذي خرج من السجن لحالة يوسف، فلما جاء يوسف قال له يا ” يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ” ففي الحال فسّرها لهم نبى الله يوسف عليه السلام، وزادهم مع التفسير حسن العمل بها وحسن التدبير، فأخبرهم أن البقر السمان والسنابل السبع الخُضر هي سنون رخاء وخصب متواليات، وهى تتقدم على السنين المجدبات، وأن البقر العجاف والسنابل اليابسات سنون جدب تليها، وإن بعد هذه السنين المجدبات عاما فيه يُغاث الناس، وفيه يعصرون، وإنه ينبغي لهم في السنين المخصبات أن ينتهزوا الفرصة، ويعدوا العدة للسنين الشديدات، فيزرعون زروعا هائلة

أزيد بكثير من المعتاد، ثم اعلم أن رؤيا الملك وتعبير يوسف عليه السلام لها، وتدبيره ذلك التدبير العجيب من رحمة الله العظيمة على يوسف عليه السلام، وعلى الملك وعلى الناس، فلولا هذه الرؤيا وهذا التعبير والتدبير، لهجمت على الناس السنون المجدبات قبل أن يعدّوا لها عدتها، فيقع الضرر الكبير على الأقطار المصرية وعلى ما جاورها، وإن من فوائد قصة يوسف عليه السلام أنه يتعين على الإنسان أن يعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحب أحدهم أكثر من غيره وأن يخفي ذلك مهما أمكنه، وهذا ظاهر في قولهم كما قال الله تعالى فى سورة يوسف ” ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبه إن أبانا فى ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ” ومن فوائدها أيضا هو الحث على التحرز.

مما يخشى ضرره لقوله تعالى ” يا بنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ” ومن الفوائد أيضا هو أن بعض الشر أهون من بعض، فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه، ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي ” قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ” فخفف به بعض الشر عنهم، وإن من الفوائد أضا هو أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية، وذلك لأن إخوة يوسف عليه السلام جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم، لكن في آخر أمرهم ونهايته تابوا إلى الله تعالى، وطلبوا السماح من أخيهم يوسف عليه السلام، وكما طلبوا من والديهم الاستغفار، فحصل لهم السماح التام، والعفو الكامل، فعفى الله تعالى عنهم، وأوصلهم إلى الكمال اللائق بهم.