الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع نبي الله يوسف علية السلام، فالسرقة ليست من صفات بنيامين، وتذكر حزنه القديم على يوسف عليه السلام ودعا الله تعالى أن يعيد له يوسف وبنيامين، وعندها ومن كثرة حزنه وبكائه أصابه العمى، فلما رأى أبناؤه ما به من الوحدة طلبوا منه أن يتوقف عن ذكرهما رحمة به وخوفا عليه من الضعف بسبب ذلك، ولكنه نبى كريم من أنبياء الله تعالى فأخبرهم أنه لا يشكوا إليهم بل إلى الله تعالى وأنه يعلم أن الله سيخرجه مما هو فيه من الضيق، وطلب منهم أن لا ييأسوا من طلب يوسف وبنيامين، وأن ييقنوا بأن الله قادر على تفريج كل كرب وهم، فرجع إخوة يوسف عليه السلام إليه مرة أخرى وطلبوا منه أن يتصدق ويمن عليهم ويعطيهم أخيهم بنيامين، وأخبروا العزيز أنهم أصابهم وأهلهم الضعف والقحط .
وأنهم لم ياتوا إلا بدراهم معدودة لما بهم من القحط، فعندها حزن يوسف عليه السلام وعطف على ما بهم من الجدب وأخبرهم أنه هو يوسف وأن هذا هو أخيه وأن الله أكرمهما لما هما فيه من بر الوالدين وطاعته تعالى وصبرهمها على أذيتهم لهما، وعندها أخبروه ان الله تعالى فضله عليهم وأنهم كانوا مخطئين وأحسوا بذنبهم وبسوء صنيعهم، وهنا تظهر قمة العظمة في نبى الله يوسف عليه السلام وهو العفو عند المغفرة، فقال لهم كما أخبر الله في كتابه العزيز ” قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ” وأخبرهم أن يذهبوا بقميصه فيضعوه على عيني أبيهم حتى يعود إليه بصره، وهي من معجزاته عليه السلام، وأخبرهم أن يرجعوا بأهلهم جميعا كي يلتم شملهم مرة اخرى، فلما عادوا إلى أبيهم أحس عليه السلام.
بريح يوسف قبل أن يقدموا إليه بمسافة كبيرة، وعندما أخبر قومه قال لهم أنه يخاف أن يظنوا ان هذا من الخرف وكبر السن، وهو ما ظنوه بالفعل، ولكن وعندما أتى البشير وألقى القميص على وجهه عليه السلام، عاد بصيرا على الفور، وأتى نبى الله يعقوب إلى يوسف عليهم السلام، وقيل أنه عندما أتى خرج معه الملك والحرس في موكب إعظاما ليوسف عليه السلام لاستقبال نبى الله يعقوب عليه السلام وقيل أن الله تعالى رفع سنين القحط ببركة قدومهم، فعندما وصلوا أخذ أبيه وأمه وأجلسهما معه على سريره وخرّوا له ساجدين إعظاما له، وقد كان هذا الأمر مشروعا عندهم وفي باقي الشرائع حتى حرمه الله تعالى في الإسلام، وقد كان هذا تأويل الرؤيا في بداية قصته عليه السلام حين رأى الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.
وبذلك رأى نبى الله يوسف عليه السلام أن الله تعالى أتم فضله ونعمه عليه بعد الضيق والهم، ودعا الله تعالى أن يتم فضله بأن يتوفاه مسلما ويرزقه الجنة فهذه هي الغاية الكبرى التي قد يسعى لها أي إنسان مهما كان به من النعيم أو الضيق، ولقد خص الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بقوله تعالى فى سورة يوسف ” لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين ” فهى فيها آيات وعِبر منوعة لكل مَن يسأل، ويريد الهدى والرشاد، لما فيها من التنقلات من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة ومنة، ومن ذلة ورق إلى عز ومُلك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات، ومن حزن وترح إلى سرور وفرح، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة.
فتبارك من قصها، ووضحها وبينها، فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولا لعلم تعبير الرؤيا، فإن علم تعبير الرؤيا علم عظيم، والرؤيا الصحيحة هي إلهامات يُلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقت النوم، أو أمثال مضروبة يضربها الملك للإنسان ليفهم بها ما يُناسبها، وقد يرى الشيء على حقيقته، ويكون تعبيره هو ما رآه في منامه، ولهذا لما حصل الاجتماع، ودخل أبوه وأمه وإخوته مصر، ورفع أبويه على العرش خر الجميع له سُجدا، فقال يوسف متذكرا ذلك تعبير رؤياه السابقة كما قال الله تعالى فى سورة يوسف ” يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد حعلها ربى حقا ” وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل إلا بها، وهو العلم الكثير العظيم والعمل الصالح والإخلاص والاجتباء من الله، والقيام بحق الله وحقوق الخلق.