الإيجابية صفة إسلامية
بقلم/ محمد خيري
إن الإيجابية مفهوم إسلامي أصيل فالايجابية صفة حث على الاتصاف بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حيث تناول القرآن والسنة القصص وعرضوا النماذج لكائنات تتصف بالايجابية فذكر القرآن الكريم في سورة النمل إيجابية النملة حيث قال
” وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوْاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( 18 ) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ ( 19) ”
وأيضا تحدث القصص القرآني عن إيجابية الهدهد فقال في سورة النمل كذلك
” وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ (21) فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ (24) أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ (25) ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ۩ (26) ”
وها هو الرجل الذي تكبد العناء والتعب والمشقة من أجل فكرة الإيجابية حينما جاء من أطراف المدينة ليخبر سيدنا موسى بما يحاك ضده فقال الله تعالى في سورة القصص
” وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20 ) ”
وهذا مؤمن آل فرعون اتصف بالايجابية حينما دافع عن سيدنا موسي أمام فرعون وجنوده فذكر ربنا قصته في سورة غافر حينما قال الله تعالى
” وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ( ٢٨ ) ”
ولله در سيدي فخر الدين حينما قال
” وينفع الحب قول الحق في وضح ….. بلا رياء واطراء وتلوين ”
والممعن النظر في مبادئ الإسلام يري قمة الإيجابية وتجليها في أبهى صورها في مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن هذا المبدأ يستطيع تحويل الإنسان من مستقبل للأوامر إلى مالك لزمام الأمور والمبادر الأول لإصلاح نفسه ومن حوله فاستقامة العبد في نفسه قد لا تكون كافية بل عليه أن يقيم على الحق غيره ولقد فرق ربنا في سورة النحل بين الإنسان الايجابي والانسان السلبي فقال
” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٧٦ ) ”
وقوله تعالى في سورة النساء
{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء : 114] .
وها هو الإسلام متمثلاً في القرآن الكريم يدعونا إلى تطبيق مبدأ الإيجابية فقال سبحانه في سورة الحجرات
” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١٠ ) ” ومن مظاهر الإيجابية في القرآن الكريم قوله في سورة الجمعة ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ١٠ ) ”
وفي هذا المعني يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة
” والذي نفسي بيدِه ، لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيحتطبَ على ظهرِه خيرٌ له من أن يأتيَ رجلًا أعطاه اللهُ من فضلِه ، فيسألَه أعطاه أو منعه ” والأفضلية والخيرية كانت لهذه الأمة بفضل ايجابيتها الممثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال ربنا في سورة آل عمران ”
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ( ١١٠ ) ”
ومن أروع مظاهر الإيجابية في حياة خير البرية – صلى الله عليه وآله وسلم- تلك الصورة التي تنقلها لنا السيدة خديجة رضي الله عنها حينما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرها بذلك وقال لها صلي الله عليه وآله وسلم ” قد خشيت على نفسي ” فقالت له رضي الله عنها ” كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين علي نوائب الحق ”
والحقيقة أن الإسلام وتاريخه ملئ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ومواقف الصحابة وقصص التابعين وآثار الصالحين ما لا يتسع المجال لذكره ولكننا طوفنا حوله مما يدل على أصالة مفهوم الإيجابية وكونه مفهوماً اسلامياً خالصا صاغه القرآن الكريم ووصفته السنة النبوية المطهرة وجسدته حياة الصحابة والتابعين والصالحين.
فوجب علينا أن نتعلم هذه الصفة ونتسم بها ونتحلي بمعانيها ونجسدها في جميع أقوالنا وأفعالنا حتى نستطيع تغيير مجتمعاتنا والرجوع بها الي سابق أوانها وأبهي عصورها وقمة مجدها .