الدكرورى يكتب عن نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يوسف علية السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله يوسف علية السلام، وقد أخبره أبوه ألا يخبر إخوته عن هذا الحلم كي لا يكيدوا له ويحسدوه، فقد كانوا يحسون أيضا أن منزلته هو وأخوه يعنون عند أبيهم أكبر من منزلتهم ، فاقترحوا أن يقتلوا يوسف عليه السلام أو ينفوه بعيدا ويكونوا صالحين من بعدها فينالوا محبة أبيهم، وبعدها اقترح أحدهم أن يلقوه في البئر فيلتقطه أحد المسافرين، وبعدما أجمع إخوة يوسف عليه السلام، على إلقائه في البئر طلبوا من أبيهم أن يرسله معهم، كي يرعى الأغنام، ولكن يعقوب لم يكن يريد مفارقة يوسف عليه السلام وخاف أن يأكله الذئب ولا يستطيع دفعه عنه لصغر سنه ولا ينتبه له إخوته لانشغالهم، ولكنهم أكدوا له أن هذا لن يحصل وأنهم عصبة يستطيعون دفع الأذى عن أخيهم، فوافق عليه السلام أن يبعثه معهم.
وعندها قاموا بتنفيذ خطتهم بإلقائه في البئر، وعندها كان إيحاء الله تعالى له بأنه سيأتيه الفرج قريبا، فحتى لو أعد الناس الخطط وأعدوا المكائد، فإن الله تعالى هو خالق كل شيء وبيده أمره، وهو الذي لا يقع أي شيء إلا بأمره ووفقا للقدر، فما قد تراه النهاية العظمى لك تكون هي بداية الخير كله، وكان بعدها أتى إخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم في المساء وعلى قميصه دم كذب من سخلة ذبحوها، ولكن نبى الله يعقوب عليه السلام عرف ذلك فكما ذكر العلماء أنهم نسوا أن يشقوا ثيابه، فكيف للذئب أن يأكله وينزل الدم على ثيابه من دون أن تشق، فلما رأى ذلك يوسف انتابته الريبة، وقد مرت قافلة ذاهبة إلى مصر بالبضائع فتوقفوا عند البئر ليشربوا منه، وعندما أنزلوا الدلو تعلق به يوسف عليه السلام فاستبشروا به وأخذوه مع جملة بضاعتهم إلى مصر.
وبلغ به الأمر في النهاية ليشتريه عزيز مصر، أي وزيرها، وقال لزوجته أن تكرم مثواه لعلهم يتخذوه ولدا لهم، فعلمه الله تعالى من تأويل الأحاديث وتعبير الرؤى وغيرها كي يوحي إليه الله تعالى فيما بعد، ولكن لم ينتهي البلاء والاختبارات التي نزلت على نبى الله يوسف عليه السلام هنا، فكما ذكرنا أنه كان عبرة لكل الشباب وفي مقاومة غرائز النفس وشهواتها، فقد كان يوسف عليه السلام جميلا جدا، بل كما ذكر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه أعطي شطر الجمال، فيكون المؤمنون في الجنة على جمال نبى الله يوسف عليه السلام، ففتنت امرأة العزيز بجماله وتزينت له ولبست أحسن الثياب، ودعته إليها، وكما قال الله تعالى في القرآن الكريم.
” وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون ” وفي قوله تعالى غلقت مبالغة إما لتشديدها على إغلاق الأبواب أو لكثرة تلك الأبواب، ولكنه عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى يخافه فتمنع وأخبرها بأن زوجها العزيز هو سيد ذلك البيت وله من الفضل الكبير عليه، فهو الذي رعاه وعلمه، وقد أقبلت عليه إلا انه أصر على دفعها ولم يكن في قلبه أي شيءٍ غير دفعها عنه فلم يقبل عليها ولو للحظة حتى في تفكيره فقد رأى برهان ربه، وبرهان الله تعالى هو النور المزروع في قلبه عليه السلام، فقوله تعالى ” ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ” وهي ليست كما فسرها البعض بأنها إقبال منه عليها فهو لا يجوز في حق نبى من أنبياء الله المعصومين.
ولكن تفهم بأنه لولا برهان الله تعالى لهمّ بها، أي لولا نور الإيمان الذي في قلبه لراودته نفسه على فعل المعصية، ولكن وفي حال نبى الله يوسف عليه السلام كان همّه الوحيد هو دفعها عنه والابتعاد عنها لحرجه الشديد فقد كان شديد الحياء والخجل، فلذلك كان عليه السلام مثالا على من يظلهم الله بظله، إذ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، فهرب عليه السلام بعدها إلى الباب كي يفرّ منها، فوجدا زوجها عند الباب، ولكنها لم تتوقف على ذلك بل بدأت بالتباكي واتهمت نبى الله يوسف عليه السلام بأنه هو الذي يريد بها السوء، وقال يوسف عليه السلام أنها هي التي راودته عن نفسه، فاحتاج إلى قول الحقيقة كي ينفي ما اتهم به، وهنا حصلت المعجزة فالله تعالى لا يرضى بالظلم، والإهانة لعباده الصالحين.