القانون لا يحمى المغفلين
بقلم المحامية/سماهر خيرالله
هي مقولة تتردد للعامة حتى أصبحت تسود عند بعضهم أنها مقوله قانونية .. وفى الحقيقة عند سماعي لتلك المقولة إرتسمت أمامي علامة إستفهام عريضة كيف يمكن لهذا القانون الذي يستند على أحكام الشريعة الإسلامية وقائم على العدل وعدم التفرقة والتمييز بين الناس وأيضًا القيام بالتكفل بالمحافظه على الكثير من مقومات الإنسان الضعيف منهم قبل القوي
كيف لهُ أن يتجاهل حمايه المغفل؟
ما حقيقة تلك العبارة وما قصتها ؟
كان هناك رجلًا أمريكي الجنسية يعيش في الولايات المتحدة الأميركية وكان يُعاني من الفقر الشديد وفى يوم من الأيام قرر الرجل التخلص من فقره عن طريق إطلاق بعض الكلمات وتوظيفها في المكان المناسب فقد قرر أن يُعلن في الصحف الأمريكية إعلانًا بعنوان ( إن أردت أن تكون ثرياً إرسل دولارًا واحد على العنوان التالي وسوف تكون ثرياً )
فقام الناس على إرسال دولارًا واحدًا على أمل الثراء كما وعدهم الرجل
وبعد فترة من الزمن حصل الرجل على مُبتغاه وأصبح من أكبر الأثرياء ثم بعد ذلك قام بإنزال إعلاناً أخر يحمل عنوان
( هكذا تُصبح ثريا بإرسال كل واحدًا منكم دولارًا إلى الآخر)
أثار ذلك الأمر غضب الكثير مما نتج عنهُ رفع دعوى ضده أمام القضاء ولكن قامت المحكمه بتبرئته على أساس عدم وجود أدلة كافية للإدانة و حينها أطلقت في طيات حكمها تلك المقولة ( القانون لا يحمي المغفلين )
ثم إنتشرت تلك المقولة على نِطاق واسع بين الناس فهى تُعد من أشهر المقولات التي تناقلت على مدار سنواتٍ عديدة حتى قام البعض بالاستناد إليها كحجه قانونية لكل من فشل في إيجاد مخرج قانوني لواقعة او خطأ أرتكبهُ
واستمر ذالك الأمر والجدال حتى جاء حقيقة الأمر آلا وهي ( القانون لا يحمي الغافلين ولكن يحمي المغفلين )
يآخذنا ذلك الأمر إلى تساؤل جديد من هم المغفلين الذين اختصتهم المحكمة ومنحتهم الحماية القانونية ومن هم الغافلين التى حجبت عنهم الحماية ؟
– إذا نظرنا للمغفل فى المعجم لوجدنا أنه ( من لا فطنه لهُ )
– اما فى القانون بمعناه الواسع مستندًا فى ذالك لأحكام الشريعة الإسلامية فالحماية تقع على كل من ناقص أو عديم الأهلية كذا الغفلة والسفيه والمجنون الذي كفّل القانون حمايتهُ بجعل تصرفاته باطلة حتى يحميه من استغلال الآخرين والصبي غير المميز ، والمعتوه الذي يأخذ حكم الصبي المميز فى تصرفاته إن كانت نفعاً فيأخذ بها وإن كانت تضمن ضرراً فلا يأخد بها إما إن كانت قابلة للنفع والضرر فتكون قابلة للإبطال إذا ثبت الضرر وكذلك يحمي المتعاقد من الغبُن والتدليس والغش والجهل بالمعقود عليه وكل ما يشوب الإرادة كالإكراه والغلط ويحق للطرف الذي وقع عليه الضرر مطالبة القاضي بفسخ العقد أو القيام بتصحيح العقد فى حاله التدليس .
ومن هنا ننتقل إلى الفارق الآخر لجعل المقوله أكثر وضوحاً ( الغافلين )
فالغافل هو من يتخذ عدم علمهِ بالقانون ذريعة للإفلات من تنفيذ أحكامه كالذي يقوم بارتكاب فعل يُشكل جريمة أو خطأ بالقانون وعند ضبطه يدعى بعدم علمه به
فهناك قاعده قانونية تقول ( لا يعذر احداً بالجهل بالقانون ) فطالما تم نشر القانون فى الجريده الرسمية فهو مُكلف وملزم للجميع لأن نشره يقتضي العلم الافتراضي لجميع الأشخاص حتى إن كان الشخص أمي لا يستطيع القراءة أو كان الشخص عائداً من الخارج أو كان أجنبي فكل ذلك لا عذر لهم بجهلهم للقانون فمن المستحيل عمليًا القيام بإبلاغ كل شخص بالقانون عند نشره فيجب على الشخص أن يكون مثقف وعلى دراية كاملة بحقوقه وواجباته
فالقاعدة القانونيه تقول ( لا يعذر أحداً بجهله بالقانون ) وأيضًا أكد على ذلك خبراء القانون حيث قالوا إذا تم الإعفاء عن الشخص لمجرد عدم علمه بالقانون بعد ارتكابه جريمة معاقب عليها فهو فى حد ذاته جريمة ولحدثت الفوضى وفتح باباً للتحايل للهروب من القاعدة القانونية وأدعى كل فاشل فشل في وجود مخرج لجرمه أن يستند على عدم علمه بالقانون .
ونظرا لصرامة تلك القاعدة فقد عمل القضاء على التخفيف من حدتها باستثناء من هذه القاعدة يجوز الاعتذار بالجهل بالقانون في حالة استحالة العلم بالقانون لوجود قوة قاهره تقوم على منع وحجب وصول الجريدة الرسمية لبعض المناطق بسبب حرب أو فيضان أو ثورة وعلى الرغم من أنه لا يوجد نص تشريعي ينص على ذلك الاستثناء الا أن الرأى الغالب في الفقه يؤيد ذلك الاستثناء
دعونا نتسائل متى يتحول المغفل إلى غافل ويصبح مسؤلاً أمام القضاء عن كافه تصرفاته !؟
يصبح المغفل مسؤلاً أمام القضاء عن تصرفاته في حاله زوال العائق الذي تسبب فى حمايته القانونية مثل إتمام الصبى للسن القانوني أو الشفاء بالنسبه للمريض النفسي أو المجنون فعند إزالة السبب والحاجز بين المُسائلة القانونية من عدمها يصبح الشخص مسؤلًا عن كافه تصرفاته ولا يصبح تحت الحماية القانونية
خُلاصه القول:
يجب الإعمال بالقاعده القانونية( لا يعذر أحدًا بجهله بالقانون ) عن طريق معرفة الشخص ما لهُ من حقوق وما عليه من واجبات وإحترام القانون الذي ينظم حياتهم ومجتمعاتهم
فلم يشرع القانون لحماية شخص ما ولكن تم التشريع لحماية الجميع فوضع القانون حمايه الحقوق داخل سياق قوي ولم يضع ذالك في خطوه واحدة وإنما أخذ خطوات عديدة ثم يأتى من هنا دور القضاء ليكمل القاعدة القانونية كمصدر من مصادر التشريع القانوني
وعمل القانون على عدم التمييز أو التفرقة بين الأفراد فالإنسان في الأصل كرمهُ الله عز وجل فمن حق الجميع العيش في أمان وحرية ولا يجوز إسترقاق أحدًا او إستعباده واحترام كل مننا الآخر ولتنظيم ذلك الأمر وجب تطبيق القانون واتباعه والمحاسبة القانونية لكل من سولت له نفسه على المخالفة