“الحفاظ على الأوطان من صميم مقاصد الأديان”
بقلم أ/ مغازى منصور عضو الرابطة العالمية للأزهر الشريف وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف
إن الوطنية الحقيقية تقتضي المشاركة بإخلاص في بناء الوطن من خلال الأخذ بأسباب القوة والعلم والعمل معاً ٠
يقول الشاعر :
بالعِلمِ والمالِ يَبني النّاسُ مُلْكَهُمُ/ لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ
وديننا دين العمل والإتقان حيث يقول الحق سبحانه (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ويقول سبحانه ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ويقول صلى الله عليه وسلم (ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ) فالإسلام لا يطلب من الناس مجرد العمل إنما يطلب إتقانه وإحسانه وجودة الإنتاج حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم ( إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ) وقد قالوا: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل وأصالته ونبله وشهامته فانظر إلى مدى ولائه لوطنه وحسن انتمائه له وحنينه إليه وعمله لأجله.
والحفاظ على الأوطان يتطلب إعلاء المصلحة العامة للوطن بعيداً عن كل صور الفرديه والأنانية والسلبية فالوطن يحتاج منا جميعاً العطاء الصادق كما يتطلب التكافل والتراحم بين أبناء الوطن الواحد حتى تسود المحبة والمودة ويعيش المجتمع كله حياة آمنة مستقرة حيث يقول الحق سبحانه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقد ضرب لنا رسولنا الكريم مثلاً للأمة في تماسكها وتكافلها وتراحمها حيث يقول صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى) ويقول صلى الله عليه وسلم (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ) ويقول صلى الله عليه وسلم (مَن كان معه فضلُ ظَهرٍ فلْيعُدْ به على مَن لا ظهرَ له ومَن كان معه فضلُ زادٍ فلْيعُدْ به على مَن لا زادَ له) ويقول صلى الله عليه وسلم (مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقد قالوا: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه.
ومن سبل الحفاظ على الوطن حسن الولاء والإنتماء والإستعداد للتضحيه في سبيله والمرابطة على ثغوره لتأمين حدوده وردع كل مُعتَدٍ أو من تسول له نفسه الإعتداء عليه أو النيل من أمنه وأمانه ومقدراته ولله در القائل : بلاد مات فتيتها لتحيا * وزالوا دون قومهم ليبقوا.
ديننا دين البناء والتعمير والتدين الصحيح هو فن صناعة الحياة وإقامة العمران، دين الحضارة والرقي، دين يؤمن بالعلم ويقدس العمل ويحث على الإتقان وينهى عن كل ألوان التخريب والعنف.
ولا شك أن من أأكد حقوق الوطن تعميق الشعور بالمسؤلية تجاه المال العام والمرافق العامة وعدم فعل ما يضر بأبناء الوطن من الخيانة أو الغش أو الإحتكار أو الإستغلال: لذلك نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن تلك الأدواء الخطيرة حيث يقول صلى الله عليه وسلم (لا يحتكر إلا خاطيء) ويقول صلى الله عليه وسلم (المحتكر ملعون) و إننا نؤكد أن المتجارين بأزمات الوطن كسبهم خبيث ممحوق البركة في الدنيا والآخرة حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم (إن رجالًا يَتخوَّضونَ في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم (من كسب مالًا من حرام، فأعتق منه، ووصل رحمه؛ كان ذلك إصرًا عليه).
والحفاظ على الوطن مهمة كل أبنائه وهو بهم وبجهدهم وعرقهم جميعاً كل في مجاله وميدانه : الجندي والشرطي في حفاظهما على أمن الوطن وأمانه والطبيب في مشفاه والفلاح في حقله والعامل في مصنعه والطالب بإجتهاده في تحصيل العلم وهكذا في سائر الصنائع والحرف والواجبات حيث يقول الحق سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ) فأبناء الوطن في سفينة واحدة وعليهم مجتمعين متضامنين أن يعملو على النجاة بها حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ القَائِم في حُدُود الله والوَاقِعِ فيها كمَثَل قَوم اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَة فصارَ بعضُهم أَعلاهَا وبعضُهم أسفَلَها، وكان الذين في أسفَلِها إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الماءِ مَرُّوا على من فَوقهِم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَم نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعاً) فاللهم احفظ بلادنا مصر وسائر بلاد المسلمين