الدكروى يكتب عن نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله زكريا علية السلام، كما قال ” ولم أكن بدعائك رب شقيا ” أي لم أتعود منك أن تردني خائبا في الدعاء، وفي هذا تمهيد منه عليه السلام لما يستدعي الرحمة ويستجلب الرأفة، ثم ذكر أنه يدعو الله من أجل أنه يخاف على الدين من الذين يلون أمر رهطه من بعد موته، لعدم صلاحية أحد منهم لأن يخلفه في القيام فيما كان يقوم به من الإرشاد ووعظ العباد، وحفظ آداب الدين والتمسك بهديه المبين، كما أن امرأته عاقر لا تلد من وقت شبابها، فدعا الله تعالى أن يهب له ولدا يلي من الأمر ما كان إليه وارثا من آل يعقوب في العلم والنبوة، وسأل الله أن يجعله مرضيا عنده قولا وفعلا، فاستجاب الله تعالى دعاءه وبشره بيحيى عليه السلام، وعن ابن عباس رضي الله عنهما “لم تلد العواقر قبله مثله”
وروي أنه لم يعص الله ولم يهم بمعصية قط، فتعجب أن يكون له غلام لأن امرأته عاقر وقد بلغ من الكبر عتيا، أي حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها، فقال الله عز وجل إن هذا الأمر عليه سهل، وامتن عليه بنعمة خلقه من العدم وهو إنسان ونطفة وعلقة، فكذلك يخلف الله لكما الولد وأنتما على هذا الحال، عند ذلك طلب نبى الله زكريا عليه السلام من ربه عز وجل أن يجعل له علامة تدله على تحقق المسؤول ووقوع الحمل ليطمئن قلبه، فقال الله عز وجل آيتك لا تقدر على تكليم من حولك من الناس مع كونك سويا معافى بلا مرض في بدنك ولسانك ثلاث ليال كاملة بأيامها، وذلك ليتجرد لشكر الله، عند ذلك خرج إلى قومه من مصلاه أو غرفته فأشار إليهم رمزا حيث إنه لا يستطيع الكلام كما أوضحنا، أن يصلوا لله طرفي النهار صباحا ومساء.
ثم استؤنف الكلام حيث طوى قبله جملا كثيرة مسارعة إلى الإنباء بإنجاز الوعد الكريم من الله العزيز الحكيم، وهو وجود هذا الغلام المبشر به، ويعلمه التوراة كتاب نبى الله موسى عليه السلام، التي كانوا يتدارسونها بينهم ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم عليه وعلى والديه، وقال الله ليحيى اقرأ التوراة بجد وحرص واجتهاد، وآتاه الله الحكمة وفهم التوراة والعلم والاجتهاد في الخير وهو صبي صغير، كما وهب الله عز وجل، يحيى عليه السلام العطف والشفقة وطهارة من الذنوب وعصمة بليغة منها، وكان يتقي الله ويخافه، بارا بوالديه، محسنا إليهما، ولم يجعله الله متكبرا عاقا لهما أو عاصيا لربه، ثم أنعم الله عليه بعد ذلك بالسلام الدائم والنعيم الأبدي.
والسلام بمعنى السلامة والأمان من الآفات، وفيه معنى التحية والشرف، وفي ذكر الأحوال الثلاث، الولادة والموت والبعث حيا، زيادة في العناية به عليه السلام، وفي الآيات من سورة الأنبياء تأكيد لما ورد في سورة مريم بأن الله استجاب لزكريا دعاءه وأصلح له زوجه بعد عقرها معجزة وكرامة من الله تعالى، فهو وابنه من الأنبياء الذين كانوا يسارعون ويبادرون في فعل الخير ويدعون الله عز وجل، راغبين في الثواب، راجين للإجابة، ورهبة من الله وإليه، وكانوا خاشعين لله أي محبين متضرعين، وفي سورة آل عمران، وعندما وجد زكريا بعد أن كفل مريم العذراء أم المسيح عليه السلام الرزق الذي وهبه الله لمريم، كلما دخل عليها في موضعها أو غرفتها وسألها عن ذلك فقالت له إنه من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب.
هنا دعا زكريا عليه السلام، الله عز وجل أن يهبه ذرية طيبة، إن الله سميع الدعاء، فأجابه الله تعالى وأرسل الملائكة تبشره وهو في مصلاه بيحيى عليه السلام نبي خلق بكلمة الله كن فيكون، وهو عليه السلام نبي يسود قومه ويفوقهم، وحصورا أي أن يحيى عليه السلام لا يقرب النساء حصرا لنفسه، أي منعا لها من الشهوات عفة وزهدا واجتهادا في الطاعة، ونبيا من الصالحين، أي ناشئا منهم لأنه من أصلابهم، ثم بقية الآيات تأكيد على ما ورد في سورة مريم، وهكذا فإن نبى الله زكريا هو أحد الرسل الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم سبع مرات، وينسب زكريا عليه السلام إلى بني إسرائيل، ويعود بالنسب إلى يعقوب ابن إسحاق عليهم احسن وأفضل الصلاة والسلام، وكان نبى الله زكريا عليه السلام من كبار الربانين الذين خدموا الهيكل في بيت المقدس.
وكان عمران أبو السيدة مريم العذراء رئيسهم والكاهن الأكبر فيهم، وقد من الله على عمران وزوجته بمولودة أسموها مريم عليها السلام ونذرتها أمها لخدمة بيت المقدس، وبعد ولادتها أحضرتها لبيت المقدس لتفي بنذرها، وأعطتها للعباد والربانين، وقد تنافسوا في كفالتها لأنها ابنة رئيسهم عمران، وبعد حصول القرعة وقعت كفالتها على نبى الله زكريا عليه السلام كما أخبرنا القرآن بذلك، وقد تفرغت السيدة العذراء مريم للعبادة، وقد كان نبى الله زكريا يجد عنها رزقا لم يأتها به، وهذا من إكرام الله عزوجل لها، وقد وقع حب الذرية في نفس زكريا عليه السلام.