الدكروى يكتب عن نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله زكريا علية السلام، فقيل أنه رجعت ذات مرة من المرات إمرأة في إحدى المدن، من حضور حفل عرس متأخرة في الليل إلى العمارة التي تسكن فيها، وفي مصعد العمارة دخلت المصعد، وضغطت الزر على الطابق الذي تسكن فيه، ولما انتصف المصعد في الطريق وقف تعطل، وتعلق المصعد لا فوق ولا تحت، وكررت ضغط الزر أكثر من مره، ولكن ما استجاب المصعد، وأصبحت تضرب على الباب، وصياح كثير ولكن ما أحد سمعها ولا سمع استغاثتها، والمصعد داخل هذه الكبينة المغلقة، وبدأ يقل الأكسجين، وبدأت هذه المرأة تعاني في التنفس، فقعدت تفكر، وتذكرت قصة أصحاب الغار، وكيف أنهم سألوا ربهم لما انطبقت عليهم الصخرة، وسألوا ربهم بأعمال صالحة فأنقذهم.
فجلست تفكر بعمل صالح تدعو به، وهي محبوسة في المصعد، فتقول لم أجد ما وجدت عمل خالص، فكرت صلاتي عادية، وصيامي عادي، وهي قاعدة توشك على الاختناق ولكن تذكرت عملا، فسألت ربها به، قالت في لحظة الشدة هذه اللهم إنه جاءتني فلانة من صديقاتي فقالت أريد العمرة والحج فضعي أولادي عندك حتى أتمكن من الذهاب للعمرة والحج، وإني قبلت، ووضعت أولادها عندي، وحافظت عليهم، ورعايتهم حتى رجعت، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عني ما أنا فيه، فانطلق المصعد مباشرة، بدون أي شيء، قالت بمجرد ما انتهيت من الدعاء، انطلق المصعد، وقف عند الدور الذى أريده وانفتح الباب وطلعت، وسبحان الله القائل فى سورة النمل ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ”
فإذا من الأشياء سؤال الله تعالى بالأعمال الصالحة، وكذلك التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، والتوسل إلى الله بضعف العبد، والتوسل إلى الله بصفاته، والتوسل إلى الله بالإيمان به، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، والتوسل إلى الله بذكر الحال، فهذه من أنواع التوسل الجائزة، وأيضا التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، كما فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع العباس بن عبد المطلب، وقال “اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا” يعني في حياته، ” فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فسقوا” رواه البخاري، وقد قررت هذه القصة قضية عامة، مفادها أن الله تعالى يفعل ما يشاء أن يفعله، دون تقيد بالأسباب والمسببات والعادات، وهو الفعال لما يريد، فقدرته سبحانه لا يعجزها شيء..
وكذلك الحض على الإكثار من ذكر الله تعالى، ومن تسبيحه وتمجيده لأنه بذكر الله تطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وتغسل الخطايا والذنوب، وأن العقلاء من الناس يلجؤون إلى خالقهم عز وجل لكي يرزقهم الذرية الصالحة، والأولاد الراشدين، الذين يخلصون عبادتهم لله، ويبذلون أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الحق، ونشر الفضائل، ونبذ الرذائل، وأن الدعاء متى صدر من قلب سليم، ولسان صادق، كان مرجو القبول، وجدير بالإجابة، وفي الآيات من سورة مريم قد تحدثت عنه وعن ابنه عليهما السلام، فقد رحم الله زكريا بأن أعطاه والدا في كامل النبوة وهو شيخ كبير السن، فبشره بذلك بنفسه تارة وبملائكته أخرى، وتولى الله عز وجل، تسميته، ولم يشرك فيها من تقدمه، وجعله الله عز وجل هبة منه لعبده زكريا
وفي هذا دلالات على قدرة الله وعنايته بصفوته من خلقه، فزكريا دعا الله بصوت خفي ليكون أقوى في الاستجابة وأبعد عن الرياء، وأدخل في الإخلاص فاشتكى لله عز وجل من الضعف ووهن العظم، وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعي وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، وكذلك قال إن رأسه قد شاب وشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وانتشاره في الشعر وكثرته منه كل مأخذ، وفي هذه الآيات تظهر آداب الدعاء جلية من زكريا عليه السلام مع ربه وما يستحب منه، فمنها الإسرار بالدعاء، ومنها استحباب الخضوع في الدعاء وإظهار الذل لله عز وجل، والمسكنة والضعف، ومنها التوسل إلى الله تعالى بنعمه وعوائده الجملية كما قال ” ولم أكن بدعائك رب شقيا “