الدكروى يكتب عن نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع نبي الله زكريا علية السلام، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به، وهو أبلغ في الخشوع، وهو روح الدعاء، ولبه، ومقصوده، والخاشع الذليل يسأل مسألة المسكين الذي انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته، حتى إن لسانه لا يكاد يطاوعه بالنطق، وقلبه يسأل مبتهلا، وصوته خفيض، وكذلك فإنه أبلغ في الإخلاص، وليس معنى هذا طبعا أن الإمام لا يسمع المأمومين، يسمع المأمومين لكن لا يصيح، لا هو ولا المأمومون، والإنسان إذا دعا في نفسه أيضا يدعو دعاء خفيا، يدعو دعاء لا يكاد يسمع إلا همسا، وهو أقرب إلى الإخلاص، وكذلك في فائدة جيدة للغاية في الدعاء بالصوت الخفيض، وهو يقين العبد أن الله تعالى يسمع مع أن الله عز وجل على عرشه.
وهذا في الأرض يدعو، فإذا دعا بصوت خفيض هذا زيادة وأبلغ في إيمانه، أن الله تعالى يسمعه مع أنه على عرشه في السماء، ولكنه قريب منه يسمعه، ولو كان يهمس همسا، فلما استحضر القلب قرب الرب همس، وصار النداء خفيا، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رفعوا أصواتهم بالتكبير في السفر “اربعوا على أنفسكم” يعني خفضوا الصوت، هونوا هونا أما إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ” إنكم تدعون سميعا قريبا “رواه البخاري ومسلم، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا سألك عبادى فإنى قريب ” والأصل أنه إذا سألك عبادي قل، لماذا حذفت قل؟ للدلالة على زيادة القرب، حتى قل حذفت، يعني أنه قريب جدا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته” رواه أحمد.
وهذا القرب قرب خاص من الصالحين المخلصين، وكذلك فإن الصوت الخفيض بالدعاء أعون على الاستمرار، لأنه إذا رفع بح وما استطاع أن يتكلم كثيرا، ولا يسأل كثيرا لأنه يتعب مع الصوت المرتفع، ولذلك تجد بعض الناس الذين يدعون حول الكعبة بعد فترة يبدأ السكوت يطول والدعاء يقل، مثل هؤلاء المطوفين بالقطارة، فإذا كان الدعاء بصوت خفيض كان ذلك أدعى للمزيد من الاستمرار، ومزيد من الدعاء، وأبعد عن التعب، ثم إنه أبعد عن القواطع، والمشوشات لأنه ربما إذا رفع صوته شوش على غيره، فإذا الواحد صار يدعو بالطواف بدعاء مرتفع شوش على من حوله، ومع ذلك هؤلاء يأتون كأنهم يفتحون البلد بالتكبير، ويرفعون الصوت، ولذلك ينبغي نصحهم، ويقال كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا سألك عبادى فإنى قريب ”
فلا داعي للصياح، لا ترفع صوتك، هذه ليست بحرب ترفع الصوت بالتكبير، وكذلك فإنه أعظم في جمع النفس على الله، والإقبال عليه، وقطع التشويش، وكلما اجتمع قلبه على الله تعالى كان أكثر تأثرا، وكان الدعاء أقرب إلى الله تعالى، وأرجى للإجابة، وكذلك فإن الدعاء ينبغي أن يتضمن طلبا، وثناء على الله تعالى بأوصافه، وأن يحمد عز وجل، وأن يكون هذا الدعاء خارج من قلب خاشع، وهذا فى قوله تعالى “ادعوا ربكم تضرعا ” وألحوا بالدعاء، واشتغلوا بالوسيلة إلى الله عز وجل، والتوسل إما أن يكون بأسماء الله الحسنى، فتقول يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا توب تب علي، يا ستير استرني، ونحو ذلك، أو يكون بسؤال الله تعالى بأعمال صالحة قد قمت بها، مثل قصة أصحاب الغار.
توسلوا إلى الله بأعمال صالحة، الثلاثة الذين دخلوا الغار، وانطبقت الصخرة عليهم، فسألوا الله بأعمال صالحة، أحدهم سأل الله ببره والديه، والثاني سأل الله بترك الزنا وإعطاء المرأة المال في وقت الشدة، والثالث سأل الله بأمانته بحفظ المال، وتنمية المال لصاحب المال، وأنه رجع وأخذ ماله، وما أعطاه شيء لا جزاء ولا شكورا، واستاقه ولم يترك منه شيئا، وأن الله أجاب الدعاء لما سألوه بأعمال صالحة، ولذلك ممكن العبد أن يقول اللهم إني أسألك بحبي لنبيك، اللهم إني أسألك بصدقتي، وكما يجوز أن يسأل الله تعالى بأعمال صالحة عملها لله، ويتوسل إلى الله بأعمال صالحة عملها، فقيل أنه رجعت ذات مرة من المرات إمرأة في إحدى المدن، من حضور حفل عرس متأخرة في الليل إلى العمارة التي تسكن فيها.