الدكروى يكتب عن نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع نبي الله زكريا علية السلام، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء “فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ” فقد أصلحها الله بعد أن كانت عاقرا، فصارت ولودا، أصلحها للحمل والولادة، كانت الإجابة عن طريق الملائكة، نادت زكريا بصوت يسمعه، وخاطبته مشافهة، وهو في محل خلوته وعبادته، وفي مجلس مناجاته وصلاته، وبشرته من الله، أن الله يبشرك بيحيى، وهو اسم جديد على البشرية، ما سبق أحد في البشرية سمى يحيى قبلك، والاسم من الله نزلت البشارة به، لأنه جاء قبل أن يولد، وهذا يعني أن نبى الله زكريا عرف أنه سيولد له ولد، وأنه سيكون ذكرا، والاسم موجود جاهز من الملائكة، فقال قتادة سماه يحيى لأن الله أحياه بالإيمان، وبشره على يد الملائكة.
باسم موافق للمسمى، يحيى حياة حسية فتتم به المنة، ويعني لا يموت صغيرا، أو يسقط جنينا، يحيى حياة حقيقية، وحياة القلب والروح بالوحي والعلم والدين، لم يسمى أحد قبله بهذا الاسم، وهذا من تمام البشارة، ومن الاتصاف بالصفات الجميلة، إذا يحيى سيأتي ويصدق ويخبر بكلمة من الله، وهى عيسى عليه السلام فهو الكلمة، ويبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله، فإذا يحيى سيبشر بعيسى، ويصدق بعيسى، الدليل على ذلك قوله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران “إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين ” إذا عيسى الكلمة لأنه خلق بالكلمة، ولذلك قيل كلمة الله لأنه خلق بكلمة الله كن، كما جاء فى سورة آل عمران.
” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ” فيحيى أول من صدق بعيسى ابن مريم، وكانت البشارة بيحيى متضمنة للبشارة بعيسى، ومصدقا بكلمة من الله، وكان يحيى وعيسى ابني خالة، حتى قيل إن أم يحيى كانت تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، لعلها رؤيا رأتها، يعني حتى أن تصديق يحيى بعيسى وهو جنين، ويحيى سيد قال تعالى “وسيدا وحصورا” أى وسيدا وحكيما تقيا، وسيدا في العلم والعبادة، وسيدا في الفقه والعلم، كريما على الله تعالى من فضلاء الرسل، وكرامهم، فهو معصوم من الذنوب والشهوات، وليس معناه أن فيه نقص وعيب، كما قال بعضهم أنه لا آلة له، وهذا كلام لا يليق، ونقص وعيب، وإنما المقصود بقوله وحصورا.
بمعنى ليس به شهوة للنساء، ولا يأتيه الحرام من هذه الجهة، وهو بعيد عن آثام الشهوات، ومطهر ومبرأ من آثار الشهوات، فهو حصور لا تشغله شهوات النساء عن الآخرة، ولا عن العبادة، وهو مكفي من هذه الجهة، وليس له ميل إليها، وهكذا فإن هذه القصة العظيمة فيها فوائد كثيرة، ومنها آداب للدعاء مثل إخفاء الدعاء، وقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ” وكان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى للدعاء، وإذا الناس في القنوت إذا دعا الإمام قال آمين، هذا ليس دعاء خفيا، كذلك الأئمة الذين يصرخون في الدعاء، يكون في التلاوة يمشي الهوينة.
وإذا جاء الدعاء صراخ في المسجد، وزعيق هو والمأمومين كلهم صياح، هذا ليس من آداب الدعاء، لذلك قال تعالى” ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ” ونبى الله زكريا إنادى ربه نداء خفيا وبعض المأمومين في صلاة القنوت يتحمس، ويصيح بآمين، وربما يزيد من عنده أدعية، فيمكن الإمام يدعو على الكفار، ولكن بعض الناس فعلا لا يملكون أمرهم، ولا يتفطن لآداب الدعاء، ويحولها إلى خطبة، ولذلك ينبغي خفض الصوت بالدعاء، لأنه أعظم في الأدب والتعظيم عند الملوك ألا ترفع الأصوات عندهم، ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به، وهو أبلغ في الخشوع، وهو روح الدعاء، ولبه، ومقصوده.