الدكروى يكتب عن نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله زكريا علية السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله زكريا علية السلام، قال “وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس أما رأيتموه دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره، فقالوا نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس شقوه بالمنشار شقا” قال “فشققت مع الشجرة بالمنشار” قال له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “هل وجدت له مسا أو وجعا؟” قال “لا، إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها” ولكن قيل أن هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب، ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر نبى الله زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث، وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح.
في حديث الإسراء “فمررت بابني الخالة يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وهما ابنا الخالة” فجاء على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أشياع بنت عمران، أخت مريم بنت عمران، وقيل بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى، وهي أخت حنة امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم، فالله أعلم، فلما ذكرت قصة امرأة عمران مع ابنتها مريم، وكيف أن الله عز وجل كان يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء كرامة من الله لهذه المرأة العابدة، الزاهدة، الورعة، التقية، النقية، التي كانت تسجد وتركع وتقوم لله رب العالمين، لما رأى زكريا عليها السلام حالها طمع حينئذ في الولد، طمع أن يكون له ولد صالح، لما رأى صلاح هذه البنت طمع أن يكون له ولد.
وكان شيخا كبيرا قد وهن عظمه، واشتعل رأسه شيبا، وكانت امرأته عاقرا لا تلد، ومع كل هذه الأسباب المانعة من الولد فإنه لم ييئس من رحمة الله، وكان قوي اليقين بالله تعالى ودعا ربه، وقال ” رب هب لى من لدنك ذرية طيبة ” ومعنى من لدنك أى من عندك، وإذا وهب الله تعالى من عنده شخصا ذرية طيبة، وولدا صالحا، فأنعم وأكرم به، ” إنك سميع الدعاء ” وهذه يدل على ثقته بالله، وبالرغم من ضعف الأسباب أنه شيخ كبير في السن، وبالرغم من أن زوجته عاقر لا تلد، وبالرغم من أن رأسه قد اشتعل شيبا، ولكنه مع ذلك دعا ربه دعاء الموقن بالله” إذ نادى ربه نداء خفيا، قال ب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ” وقد وهن العظم وضعف، وهذا ضعف الباطن العظم من الداخل.
وأما الظاهر قال واشتعل الرأس شيبا، فهذا ضعف الظاهر، لأن الشيب دليل الكبر والضعف، وهو رسول الموت ورائده ونذيره، ولذلك قال عدد من المفسرين في قوله تعالى كما جاء فى سورة فاطر ” وجاءكم النذير ” وهو يعني الشيب، وهذا السؤال من زكريا لله تعالى بهذه الطريقة، وأن هذه سؤال الله بضعف الحال، والله يحب هذا، يحب أن العبد يسأله بضعف، يعني لو واحد قال اللهم إني أسألك بقوتك، وأشكو إليك ضعفي، قال ” أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي ” رواه البخاري، فيسأل الله يشكو إليه حاله، وإن الله يحب من العبد أن يشكو إليه حاله، أثناء الدعاء يقول هذه حالي، وهذا ضعفي، وهذا فقري، ونبى الله موسى عليه السلام قال ” رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ” أى أنا محتاج إلى خيرك يا رب.
وأنا محتاج إلى رحمتك، أنا محتاج إليك، فإذا يسأل غنى ربه ويشكو ضعفه إليه، فإن الله يحب هذه الحال من العبد الله، يحب من العبد أن يتبرأ من حوله وقوته، وأن يثق بحول الله وقوته، فيقول أبرأ إليك من حولي وقوتي، لا أتكل إلا عليك، أعوذ بك من أن تكلني إلى نفسي، فإنه سبحانه وتعالى يحب أن يتوسل إليه عبده بضعفه وعجزه وافتقاره إليه، ونبى الله موسى عليه السلام قال ” رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ” وقال نبى الله زكريا عليه السلام “ولم أكن بدعائك رب شقيا ” وإن هنا المعنى متقارب، لم تكن يا رب تردني خائبا، ولا محروما من الإجابة، بل لم تزل بي حفيا، ولدعائي مجيبا، وألطافك تتوالى علي، وإحسانك يصل إليّ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه علي، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن إليه سابقا أن يتمم إحسانه عليه لاحقا، وجمع بين نوعين من التوسل.