داعش الحقيقة والوهم
بقلم د: محمود على سرور
إن السعي لتحقيق الخلافة الإسلامية العامه وجمع المسلمين على إمام واحد مطلب شرعي منشود ، والسعي لتحقيقة بالوسائل الشرعية من مهمات العلماء والأمراء والمصلحين وذلك وفق الوسائل المشروعة.
ومن تتبع فكر الخوارج بصفة عامة وتنظيم داعش بصفة خاصة من النشئة يستطيع أن يقف على مدى انحراف القوم في هذا الباب، ولا أظن أنني أبعدت أن قلت أن أغلب مشاكل خوارج عصرنا مردها إلى هذه الجزئية الخطيرة، والتي هي وهم الخلافة.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال عنهم : ” حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام “.
وتلك واحدة من المسائل التي تؤكد هذا الوصف النبوي من أنهم أقوم ” سفهاء الأحلام “.
وفي هذا المقال بيان لبعض سفاهة أحلام داعش في هذه المسألة الكبيرة ومن أبرز المخالفات الشرعية في هذه المسألة ما يأتي:
١-اعتقادهم أن تحقيق الخلافة هدف والوصول إليها غاية:
وهذا انحراف شديد وذلك لأن الخلافة وسيلة من أجل غاية عظمى وهي تحقيق العبودية لله جل وعلا.
قال تعالى : “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.
لذلك كانت دعوة الأنبياء والرسل إلى توحيد الله وعبادته.
قال تعالى : ” وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون “.
ولما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه الي اليمن ، قال : ” أول ما تدعوهم إليه ، شهادة إلا إله إلا الله “..وفي رواية :”أن يوحدوا الله “.
أخرجه البخاري.
وهناك أنبياء لم يحققوا الخلافة ولم تقم لهم دولة ومع ذلك لم يخالفوا رسالتهم الأصلية في تعبيد الناس لله، بل هناك أنبياء حكموا من حكام كفرة.
٢-الخلط بين وحدة الأمة ووحدة الدولة:
أما وحدة الأمة فهذا متعين على كل فرد من أفراد الأمة، فهذا مسؤلية متوجهة لجميع المسلمين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
فيجب على جميع المسلمين التوادد والتراحم والتناصر ، والحدود التي بين الدول لا أثر لها في هذا المقصد.
أما السعي لتحقيق وحدة الدولة فهو من شان أهل الحل والعقد ولا يخاطب به عموم أفرادها.
وهذا ما غلط فيه الخوارج حينما أنزلوا النصوص القاضية بوحدة الأمة على دولهم ، وهذا انحرف كبير ومسلك بعيد عن توجيهات العلماء.
٣- عدم السمع والطاعة للحكام بدعوى أن السمع والطاعة للحاكم العام لجميع المسلمين وهو الخليفة:
ترتب على ذلك تحريف النصوص واستباحة الخروج على حكامهم تحت هذا الفهم المغلوط.
ولا شك أن الأصل وجود حاكم عام وهو خليفة المسلمين وان يكون على كل دولة أمير ، ولكن طالما أن هذا الأصل غير متحقق وليس هناك قدرة على تحقيق ذلك، فيعتبر كل حاكم في بلده ولي أمر لعموم المسلمين في بلده يجب له السمع والطاعة.
٤- اعتقاد أن مسألة الخلافة من أصول الدين:
وهذا غلو شديد في هذا الباب ترتب عليه أن ادعي بعضهم أن التوحيد أربعة أقسام وجعل منها توحيد الحاكمية، لأنهم يعتقدون أن إقامة الدين لا يحصل إلا في ظل خلافة وطالما أن تحقق الخلافة غير واقع فحصول التوحيد متعذر، ولا شك أن هذا غلط كبير.
هذا وقد سئل العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى: شيخنا بارك الله فيك ذكر علماء السلف رحمة الله عليهم أن أنواع التوحيد ثلاثة ألوهية وربوبية وأسماء وصفات فهل يصح أن نقول : بأن هناك توحيد رابع هو توحيد الحاكمية أو توحيد الحكم ؟
الجواب : لا يصح..لا يصح ولكن الرد ما يكون بهذا الجواب !
الحاكمية فرع من فروع توحيد الألوهية والذين يدندنون بهذه ( الكلمة المحدثة في العصر الحاضر) يتخذونها سلاحا ليس لتعليم المسلمين التوحيد الذي جاء به الأنبياء والرسل كلهم وإنما سلاحا سياسيا..
وسئل فضيلة الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – : ما تقول فيمن أضاف للتوحيد قسمًا رابعًا وسماه توحيد الحاكمية ؟
الجواب : نقول : إنه ضال وجاهل ؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل ، فالحاكم هو الله عز وجل ، فإذا قلت : التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء : توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية ؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل ، وهذا قول محدث منكر ، وكيف توحيد الحاكمية ما يمكن أن توحد هذه ؟
هل معناه : أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا ؟
فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه ، ويقال له : إن أردت الحكم فالحكم لله وحده ، وهو داخل في توحيد الربوبية ؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها ، فهذه بدعة وضلالة . (سلسلة لقاء الباب المفتوح جزء 150).
وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله – :” إن تحكيم الشريعة وإقامة الحدود وقيام الدولة الإسلامية واجتناب المحرمات وفعل الواجبات كل هذه الأمور من حقوق التوحيد ومكملاته وهي تابعة له فكيف يعتنى بالتـابع ويهمل الأصل ؟.
المصدر: ( في تقديمه لكتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله ).
٥- السعي لتحقيق الخلافة بالجهاد:
وهذا ما تورطت فيها بعض الجماعات المنحرفة ،كتنظيم القاعدة ، وطالبان ، وأنصار بيت المقدس، وداعش ،والإخوان، وغيرهم فهذه الجماعات السبب الحقيقي في نشأتها هو عودة الخلافة الإسلامية العامة، ومن ثم تسعي كل واحدة من هذه الجماعت للوصول إلى ذلك بكل وسيلة ، ويعتقدون أن الجهاد هو الوسيلة الأقوى ، وأول من يجاهد هم حكام المسلمين ، وهذا الفكر مبثوث في كتبهم ويفتون به أتباعهم .
٦-ايجاب تحقيق الخلافة على العلماء وطلاب العلم دون غيرهم :
يرى تنظيم داعش أن تحقيق الخلافة أمر واجب على العلماء وطلاب العلم ، وطالما أن العلماء لا يوافقونهم في هذه الوجه من هنا يتوجه الطعن في العلماء أنهم جبناء وعملاء ومداهنين للحكام ، فالخوارج على أثر ذلك يطعنون في العلماء ويقدحون فيهم.
تلك هي أخطر انحرافات الخوارج في باب الخلافة.
والحاصل : أن تحقيق الخلافة أمر ممدوح ومطلب شرعي لكنه يتعذر في هذه الأيام، فهو إذا من قبيل الطموحات البعيدة والأماني الفارغة التى هي إلى الوهم أقرب، وما تردده تلك الجماعات إنما هو من قبيل التنظير الذي لا علاقة له بواقع الأمة.
إقامة الدين وشعائر الإسلام ليست مرتبطة بوجود خلافة العامة، واجتماع المسلمين في كل قطر على إمامهم يتحقق به المقاصد العامة الخلافة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.