الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى النضير “جزء 7”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى النضير “جزء 7”
ونكمل الجزء السابع مع الرسول في غزوة بنى النضير، وإذا كان في كتب السيرة النبوية أن سبب إجلاء يهود بني النضير هو تآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم لمّا جاءهم يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا، نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا، إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم.
ولكن هذا الحديث مرسل، وقد أورده الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة، وقد جاء سبب إجلائهم بسند صحيح هو أنه عن الزهري قال، أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال، كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فهمّ ابن أبيّ ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال، ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا، فلما كانت وقعة بدر كتب كفار قريش بعدها إلى اليهود، إنكم أهل الحلقة أى بمعنى أهل السلاح.
والحصون، يتهددونهم، فأجمع بنو النضير على الغدر، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع، وصبّحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم عدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها.
وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى يهود بني النضير، يخبرهم بأن يخرجوا من المدينة ولا يساكنوا المسلمين فيها بسبب غدرهم، فتأهبوا للخروج، ولكن المنافقين تدخلوا، وأخبروهم أنهم معهم ضد المسلمين، وأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول من يقول لهم، اثبتوا وتمنعوا، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، فاستقر رأيهم على المناورة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم فسارعوا إلى حصونهم، واحتموا بها، وأخذوا يرمون المسلمين بالنبل والحجارة.
وكانت نخيلهم وبساتينهم عونا لهم في ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع بعضها وتحريقها، ولم يطل حصار المسلمين ليهود بني النضير وهم في حصونهم طويلا، فقد دام ست ليال فقط، وقيل خمس عشرة ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على الجلاء أى الخروج، وإن دراسة السيرة النبوية تساعد على فهم القرآن الكريم وتذوق روحه ومقاصده، وتبين أسباب نزول الكثير من الآيات القرآنية، كتلك الآيات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران، والتوبة، والأحزاب، والفتح، وسورة الحشرالتي سمّاها عبد الله بن عباس رضي الله عنه، سورة بني النضير، وكان من أعظم العبر في غزوة بنى النضير، هو إثبات قدرة الله سبحانه وتعالى على تغيير الأحوال وتبديل الحال وتصريف الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى.
فلا يقف أمام قوته وقدرته شيء، فهؤلاء اليهود كان الناس جميعا حتى المسلمون يظنون أن قوتهم وحصونهم التي يتحصنون بداخلها لن يستطيع أحد أن يخترقها أو يخرجهم منها، ولكن الله جل جلاله أتاهم من حيث لم يحسبوا، فسلط عليهم جنديا من جنوده وهو الرعب، فانهارت معنوياتهم وضعفت نفسياتهم، فاستسلموا وخربوا بيوتهم بأيديهم، فعلى الناس أن يعلموا أن الله الذي أجلى هؤلاء وأزالهم بعد أن ظن الناس أن حصونهم مانعتهم، قادر على أن يزيل غيرهم من الكافرين والمتكبرين والظالمين بشرط أن يصلح الناس أحوالهم.