الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى النضير “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى النضير “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع الرسول في غزوة بنى النضير، وقيل فى رواية أخرى أنه في يوم من الأيام خلا اليهود بعضهم إلى بعض وسوَّل لهم الشيطان أعمالهم، فتآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد بها فيلقيها على رأس محمد فيشدخ بها رأسه؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش، أنا، فقال لهم سلام بن مشكم، لا تفعلوا، فوالله ليُخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه” ولكنهم أصروا وعزموا على تنفيذ هذه الخطة الخبيثة، فلما جلس النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جنب جدار بيت من بيوتهم وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه، صعد المجرم على سطح المنزل لينفذ فعلته المشئومة، ولكن الله سبحانه وتعالى.
أرسل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليُعلمه بما هموا به، فأخبره جبريل، فنهض النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا وتوجَّه إلى المدينة، فلحقه أصحابه فقالوا نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم، بما همَّ به اليهود، وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن بعث محمد بن مسلمة إلى يهود بني النضير يقول لهم “اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدته بعد ذلك منكم ضربت عنقه” فلم يجد اليهود مناصا من الخروج، فأقاموا أياما يتجهزون للرحيل والخروج من المدينة، غير أن رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول بعث إليهم أن اثبتوا وتمنَّعوا ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفي رجل يدخلون معكم حصونكم، يدافعون عنكم ويموتون دونكم.
فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم سورة الحشر فقال تعالى “ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون” وهناك عادت لليهود ثقتهم، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رئيس المنافقين، فبعثوا إلى الكريم صلى الله عليه وسلم يقولون له “إنا لن نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك” وكان الموقف موقفا محرجا بالنسبة للمسلمين، فإن المسلمين لا يريدون أن يشتبكوا مع خصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم، لأن جبهة القتال مشتعلة مع المشركين، فلا يريدون أن يفتحوا جبهة أخرى مع اليهود، ولأن اليهود كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال.
والقتال معهم غير مأمون العواقب والنتائج، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، حين بلغه جواب حيي بن أخطب كبَّر وكبَّر المسلمون معه، ثم نهض صلى الله عليه وسلم، لقتالهم ومناجزتهم، فاستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وسار إليهم يحمل اللواء علي بن أبي طالب، فلما وصل إليهم فرض صلى الله عليه وسلم عليهم الحصار، فالتجأ اليهود إلى حصونهم، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونا لهم في ذلك، فأمر صلى الله عليه وسلم، بقطعها وتحريقها، وفي ذلك أنزل الله تعالى فى كتابة العزيز فى سورة الحشر “ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله وليخزى الفاسقين” فلما رأى المنافقون جدية الأمر، خانوا حلفاءهم اليهود، فلم يسوقوا لهم خيرا ولم يدفعوا عنهم شرا “والله يشهد إنكم لكاذبون”
ولهذا مثَلهم الله سبحانه وتعالى بالشيطان فقال سبحانه وتعالى فى سورة الحشر “كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين” وإذا كان في كتب السيرة النبوية أن سبب إجلاء يهود بني النضير هو تآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم لمّا جاءهم يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فقالوا، نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا، إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال أنا لذلك.