الدكرورى يكتب عن السيدة صفية بنت حيى “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
السيدة صفية بنت حيى “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع السيدة صفية بنت حيى، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم “على رسلكما، إنها صفيه بنت حيى ” فقالا سبحان الله، يا رسول الله، وكبر عليهما ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، وإنى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا ” وقيل عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، في وجعه الذي توفى فيه، قالت صفية بنت حيي والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزها أزواجه، فأبصرهن، فقال صلى الله عليه وسلم “مضمضن” قلن، من أي شيء؟ قال ” من تغامزكن بها، والله إنها لصادقه ” فقد كانت شديدة الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحكي لنا السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها، عن قدوم النبى صلى الله عليه وسلم عندهم بالمدينه قائلة.
لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء وهى قرية بني عمرو بن عوف، غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فوالله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي أهو هو؟ قال نعم، والله، قال تعرفه بنعته ووصفه؟ قال نعم والله، قال فماذا في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه، فقال يا قوم، أطيعوني.
فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه، فانطلق أخوه حيي بن أخطب وهو يومئذ سيد اليهود، وهما من بني النضير، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعا، فقال أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا أبدا، فقال له أخوه أبو ياسر يابن أم، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعده، لا تهلك، فقال لا والله لا أطيعك أبدا، واستحوذ عليه الشيطان، واتبعه قومه على رأيه، وقد أدركت السيده صفية رضي الله عنها ذلك الهدف العظيم الذى من أجله تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام، وذاقت حلاوة الإيمان.
وقد تأثرت بخلق سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين، ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تأثرت رضي الله عنها لمرضه، وتمنت أن لو كانت هي مكانه، وقد كانت السيده صفيه رضي الله عنها امرأة شريفة، عاقلة، ذات حسب أصيل، وجمال ورثته من أسلافها، وكان من شأن هذا الجمال أن يؤجج مشاعر الغيرة في نفوس نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عبّرت السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها عن ذلك بقولها ” ما أرى هذه الجارية إلا ستغلبنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ضوء ذلك، يمكن أن نفهم التنافس الذي حصل بين صفية رضي الله عنها وبين بقيّة أمهات المؤمنين، ومحاولاتهن المتكررة للتفوق عليها.
ولم يفت ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسليها ويهدئ ما بها، فتقول السيده صفية رضي الله عنها ” دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فقلت له بلغني أن عائشة وحفصة تقولان نحن خير من صفية، نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فقال صلى الله عليه وسلم ” ألا قلت، فكيف تكونان خيرا منى، وزوجى محمد، وأبى هارون وعمى موسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، ومن مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله تعالى به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها.