أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الرسول في غزوة ذي أمر “جزء 1”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة ذي أمر “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة ذي أمر “جزء 1”

يجب أن نعلم أنه قد اضطر المسلمون للهجرة وترك الديار والأموال والأهل وكل شيء، وكانت هجرتهم مرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة، ولم يتركهم كفار مكة يعيشون حياتهم في أمان هناك، بل طاردوهم وحاصروهم وراسلوا مشركي المدينة ويهودها لاستئصال المسلمين تماما من على وجه الأرض، ولم يختلف اليهود كثيرا عن المشركين، فبعد أن عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووفى بعهدهم، وأحسن معاملتهم، ما كان منهم إلا الإساءة، ونكران الجميل، ومحاولة تشكيك المسلمين فيما يعتقدونه من الحق، وقد صبر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا، وتغاضى عن الكثير من أخطائهم، ولم يعاقبهم عليها رغم فداحتها.

إلا أن الأمر بلغ حدا لا يطاق، وأصبح من الحكمة بمكان أن يتم اتخاذ موقف حازم إزاء ما يفعله اليهود، فلقد بدأت قبائلهم في نقض العهود الواحدة تلو الأخرى، فقام يهود بني قينقاع بفعل فاحشٍ تمالئوا فيه على الاعتداء على شرف امرأة مسلمة، كانت تشتري من سوقهم بعض حاجتها، كما اجتمعوا على قتل رجل مسلم، واليهود بهذا الفعل الفاحش، وهذه الجريمة النكراء، أصبحوا ناقضين لعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بإجلائهم وهو على استطاعة تامة أن يقتلهم جميعا، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من قبول الاكتفاء بإجلائهم عن المدينة يُعد عفوا عظيما عن أناس يستحقون القتل لنقضهم العهد، واعتدائهم على حرمات المسلمين.

وتمالئهم على ذلك، وإن لمشركين هم أكثر من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، بل إنهم لم يكتفوا بالإيذاء فطردوا المسلمين من مكة التي هي وطنهم الذي وُلدوا وتربوا فيه، واستولوا على ممتلكاتهم من الأموال والبيوت، ومع هذا كله لم يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم طوال إقامته في مكة أن يعتدي على أحد من المشركين مع ما كان له من عزة ومنعة، فهو صلى الله عليه وسلم من أرقى عائلة في مكة، ومن أعز بطون قريش، وصاحب النسب والشرف، إلا أن له رسالة سامية يريد أن يؤديها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل الإيذاء إلى أبعد الحدود، ويحث أصحابه على الصبر، وعدم مقابلة السيئة بمثلها، إلا أن قريشا تمادت في غيّها وضلالها وكبريائها.

فكان لابد من وقفات حازمة ترد للمسلمين بعض حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة، وهذا من دون شك أمر لا ينكره عاقل، ولا يعارضه صاحب رأي سديد، ولقد شنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، العديد من الغزوات منذ هجرته إلى المدينة المنورة حتى وفاته فيها صلى الله عليه وسلم، وهي ما أطلق عليه المؤرخون اسم غزوات العصر النبوي أو غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء قادها بنفسه أم أوكل أمر قيادتها إلى واحد أو أكثر من أصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومع اختلاف أسباب كل واحدة منها إلا أنها جميعها متوافقة مع أحكام وتعاليم الجهاد في سبيل الله تعالى، وسوف نتحدث فى هذا المقال على واحدة من هذه الغزوات ألا وهي غزوة ذي أمر.

وهي أكبر حملة عسكرية قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل معركة أحد، فقادها النبى صلى الله عليه وسلم، في شهر المحرم فى السنة الثالثة من الهجرة، وكان سببها هو أن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جمعا كبيرا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا، يريدون الإغارة على أطراف المدينة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين مقاتلا ما بين راكب وراجل، واستخلف على المدينة الصحابى الجليل عثمان بن عفان‏، وفي أثناء الطريق قبضوا على رجل يقال له‏‏ جُبَار من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه إلى الإسلام فأسلم، فضمه إلى بلال، وصار دليلا لجيش المسلمين إلى أرض العدو‏،‏ وتفرق الأعداء في رءوس الجبال حين سمعوا بقدوم جيش المدينة‏.