الشيطان
شيرين العدوي تكتب
عزيزي القارئ أتناول في عدة مقالات قادمة موضوع “الشيطان”، وأهديها لعبدته ولمن يتبعونه من أبنائي الشباب الذين أخطأوا التقدير؛ فأقول لهم: ولدنا على هذه الأرض بثنائية الخير والشر. الخير المتمثل في الفضيلة التى تقف بالمرصاد للرذيلة.
نؤمن بقوى خفية هي الله الذي لا نراه لكنا نستشعره في أنفسنا وفي خلقه، ونخاف الشيطان الذي لا نراه أيضا؛ ولكن نحسه في كل ما نرتكبه من شرور وآثام .
لقد غرسوا فينا “عبادة الخوف”. فإذاعبدنا الله فإننا نعبده لأننا نخاف وعيده، وإذا كفرنا نخاف من قوة أخرى هي: “الشيطان ” كحاكم لمملكة الشر؛ فاستبدلنا الخوف بالخوف. فلماذا لا نجرب عبادة الحب: بأن نحب الله بدلا من أن نخافه؟! ساعتها سنهزم الشيطان الذي علمنا الحقد والحسد؛ ذلك لأنه أول من حقد على الإنسان وتربص به الدوائر.
يقول الله في سورة الإسراء ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْمَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا”.
وفي القاموس “احتنكت دابتي” أي وضعت في فمها حبلا وقدتها. ولماذا الحنك؟! لأنه في مقدمة الرأس التي فيها العقل موطن حسد الشيطان على الإنسان وسبب تفضيله، ولذلك من معاني الاحتناك السيطرة والاستلاب.
هكذا توعدنا الشيطان الذي لم نره. والسؤال الذي يدور في الأذهان متصلا بعالم الغيب -الذي لم نشهده ولكنا سمعنا به من كتب الأديان – هو: لم فضل الله آدم على الشيطان والملائكة؟! ألِظلمه كما يقول عبدة الشيطان؟! وهل ما اختص به آدم من تكاليف وفروض تشريف وتفضيل، أم تكليف واختبار؟!
ما لم يفهمه عبدة الشيطان أن آدم لم يُشرَّف ويُفضَّل من قبل المولى إلا لطبيعته التي خلقه الله عليها من التدبر والتفكير، وقدرته على تحويل الشر إلى الخير. ما أثار حفيظة الشيطان وكذلك الملائكة فكلموا الله فيه،هو إحساس الشيطان بنفسه فهو من وجهة نظره لا يقل عن الإنسان تدبرا وعقلا وإلا لما فكر في عقد المقارنة، بل وتدبير الغواية؛ فطبيعته إذا قريبة من طبيعة الإنسان العقلية.
ولأن الله عادل فقد سمع من الجميع اعتراضهم وحكم بينهم، فلما أبان الشيطان عن حقده وحسده؛ أمهله الله وجعله في مواجهة الإنسان. فحمَّل الإنسان صراعا جديدا فوق تكليفه، وهو مواجهة عدو غيبي لا يراه بينما العدو يراه وهنا تكمن الصعوبة.ولأن الإنسان لا يراه رمز له بالظلام والسواد في مقابل إله الخير المطلق (النور).
من هنا بدأ الإنسان في وضع القوانين التي تحفظه كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك رسو في إحدى مقالاته من أن الأخلاق والعلوم والفنون تدين لنشأتها للرذائل: فالأخلاق نشأت من الكِبْرِ، وعلم الفلك نشأ من الخرافة. والفصاحة نشأت من التملق والكذب، والهندسة من البخل، والفيزياء من الفضول. ربما هذا ما جعل الله يستبقى الشيطان في مواجهة الإنسان؛ ليحول الإنسان كل الطاقات السلبية إلى علوم وفنون. للحديث بقية.