الإعتكاف في العشر الأواخر
كتبت – فاطمة الدربي
ها هي الأيام تمضي سريعًا، بالأمس كنا نستقبل شهر الهبات والعطايا، واليوم تقارب الشهر على النهاية، فالضيف بدأ يستعد ململمًا أيامه ونفحاته للرحيل، تاركًا في قلوب البعض الحسرة والندم على ما فرطوا، وتاركا في قلوبٍ أخرى الفرحة بما اغتنموا من دقائقه.
تعد الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أفضل 10 ليال للعبادة والعمل الصالح والتقرب من الله عز وجل. عشر أيام مباركات، مضاعَفات الأجر والثواب، لكل نفس نامت في أوله عن الطاعات، وكست نفسها بثوب الغفلة والكسل، تنير طريق ما بقي من رمضان، فالعشر ماهي إلا سِراجٌ مُنير في عتمة قد اشتَّد ظلامها، ففي هذه الليالي تقبل الأعمال ويتضاعف الأجر، وفي كل ليلة يختار الله العتقاء من النار والفائزين بالجنة بإذن الله دون عناء ولا سابقة عذاب. وتتميز هذه الفترة من شهر رمضان بفضل كبير ويسعى مختلف المسلمين للتقرب من الله من خلال الإكثار من الأعمال الصالحة وتلاوة القرآن الكريم.
تبدأ العشر الأواخر من رمضان ابتداء من ليلة إحدى وعشرين، سواء كان الشهر ثلاثين يوما، أم كان تسعا وعشرين. فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان: إكثار العبادات، والاعتكاف، والتطيب، والاجتهاد في العبادة، وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فكيف بحالنا نحن، كيف لنا أن نضيع كنوز العشر ونحن أشد احتياجًا لها؟
فهيَّا لنغتنم عطايا الله لنا في عشر جاءت تمحو ما مضى، فلنشد الهمة؛ حتى لا يأتي يوم الحساب، فيقال لنا فيه: كم من جائعٍ حسب نفسه صائمًا، وكم من مفلسٍ ظن أن كفه مملوء، وكم من خاسرٍ حسب أنه فائزٌ، وكم من ضالٍ حسب نفسه مهتديًا، فما أقرب الرب وما أغفل العبد.
تعايش مع أوقات العشر على أنها آخر عشر لك هذا العام، واخرُج منها ومن شهر رمضان ببداية حياة جديدة لك، تتنعم فيها ما تبقَّى لك من قربٍ في طاعة.