اليوم العالمي للملكية الفكرية
كتب د/ خالد السلامي
يحتفي العالم بيوم الملكية الفكرية في السادس والعشرين من شهر إبريل من كل عام. هذا اليوم الذي هو بمثابة تكريم للمبدعين بحفظ إبداعاتهم وإسنادها إلى أصحابها. تكريم لهؤلاء الذين تركوا وراءهم بصمة إبداعية فكرية أو فنية أو علمية أو في مجال آخر من الإبداع الفكري. ودولتنا الإمارات تشارك ضمن منظومة دول العالم في اليوم العالمي للملكية الفكرية لمواكبة التطور في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية على الصعيد الوطني والدولي. كما أن دولة الإمارات تولي هذا الموضوع اهتماما بالغا من حيث إبراز دور وأهمية الملكية الفكرية وآثارها، والتعريف بإجراءات وأدوات حماية الملكية الفكرية، التي من شأنها أن تسهم في دعم المجتمع المعرفي في الدولة، مشرعة العديد من الأنظمة التي تكفل حماية حقوق المخترع والرسوم والنماذج الصناعية والمؤلف والعلامات التجارية، إضافة لاهتمامها بزيادة الوعي حول أهمية حقوق الملكية الفكرية داخل المجتمع الإماراتي.
فالملكية الفكرية هي نتاج فكر الإنسان من إبداعات مثل الاختراعات والنماذج الصناعية والعلامات التجارية والأغاني والكتب والرموز والأسماء، ولا تختلف حقوق الملكية الفكرية عن حقوق الملكية الأخرى. فهي تمكن مالك الحق من الاستفادة بشتى الطرق من عمله الذى كان مجرد فكرة ثم تبلور إلى أن أصبح في صورة منتج. ويحق للمالك منع الاَخرين من التعامل في ملكه دون الحصول على إذن مسبق منه. كما يحق له مقاضاتهم في حالة التعدي على حقوقه والمطالبة بوقف التعدي أو وقف استمراره والتعويض عما أصابه من ضرر.
وللأسف، أصبح من السهل جدًا في هذا العصر من التقدم التكنولوجي لأي شخص سرقة أفكارك أو أعمالك الأدبية أو هويتك. يجني الناس الملايين من خلال بيع المنتجات في السوق الرمادية مما يتسبب في ضرر كبير لمالكيها الأصليين. ومن ناحية أخرى، فإن الناس في جميع أنحاء العالم بصدد إنشاء أو اختراع شيء جديد قد يفيد في مجالات الفن أو التكنولوجيا أو الثقافة. تشجع حماية الملكية الفكرية على الالتزام بالابتكار وتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة.
كما أن تأثير الملكية الفكرية على الاقتصاد لا يمكن إنكاره، فالأمم تصدّر علومها وتقنياتها تماماً كما تصدّر مواردها البشرية والطبيعية، والمنتجات المصدّرة من كثير من الدول تعتمد أساساً على تميزها المكتسب من الأبحاث العلمية والتطويرية. وكما أن الدول تتمايز في ما بينها بصادراتها من الموارد الطبيعية والزراعية والصناعية، فإن التنافس الآن انتقل وبشكل واضح إلى العلوم والتقنيات، وتنعكس هذه العلوم اقتصادياً على الصادرات وتوليد الوظائف، كما تمتد لتؤثر على التقدم العسكري أيضاً.
إن مستقبل الأمم يعتمد اعتماداً كبيراً على ما تملكه من علم، سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى العسكري، ولو كانت الموارد الطبيعية قابلة للنضوب حتى لو على المدى البعيد، فإن الإبداع البشري غير قابل لذلك. ولذلك كان استثمار الدول في التعليم ونتائجه من بحث وتطوير شديد الأهمية. وما نراه الآن من إحباط بين المفكرين والأدباء والعلماء في عالمنا العربي من قلة المؤلفات والزهد في طباعتها، سببه الرئيسي ضعف حماية الملكية الفكرية، والتي تجعل العائد المادي من طباعة الكتب شبه معدومة. ويقاس على ذلك نتائج البحث العلمي، فالشركات لن تستثمر في البحث والتطوير في بيئة لا تحمي حقوقها الفكرية، ولا تضمن لها استثمار نتائج أبحاثها دون تعرضها للسرقة. وبانعدام هذه القوانين، فإن منظومة البحث العلمي ستكون في خطر، بكل ما يترتب عليها من تطور اقتصادي وعسكري وتقدم للبلد بأكمله.
وبسبب ما نعيشه اليوم من طفرة رقمية وتكنولوجية، فلم يعد ارتباط فكرة حقوق الملكية الفكرية بالجانب الإبداعي الإنساني باعتباره المعبّر عن الفكر الإبداعي بمختلف أشكاله مقتصرا على العلوم الأدبية والعلمية والفنية فقط، حيث أن الثورة الرقمية الذكية أوجدت ذكاءً اصطناعياً لا يقلّ أهمية عن نظيره الإنساني بل يمكن أن يتفوق عليه، والذي ترتب عليه إعادة تكييف ماهية تلك الحقوق سواء ارتبطت بالجانب الإنساني أو استقلت بالجانب الاصطناعي. كما أن الاستخدام الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي أدى إلى تغيير مفاهيم الملكية الفكرية الراسخة كبراءات الاختراع والتصميمات نتيجة للاقتصاد الرقمي بصفة عامة، وليس الذكاء الاصطناعي وحده.