هل يحافظ الذهب على قيمته كملاذ آمن في ظل أسعاره التصاعدية والأزمات العالمية الراهنة؟
محمد السعيد يكتب
Mohelsaeed23@gmail
كان الذهب ولايزال محط أنظار وإعجاب الناس وبخاصة النساء ،فهو الزينة للفتاة يوم عرسها ، والكنز الثمين ، والخزينة لمن يفضل الإدخار ، والإحتياطي الإستراتيجي للدول، ولعلو منزلة هذا المعدن النفيس بين المعادن الأخرى والحلي، فقد ظل على مر السنين من أكثر المعادن وأغلاها في معاملات البيع والشراء بين بني البشر، حيث استخدم في تزيين قصور أعظم الملوك والسلاطين، وكان أبرز هداياهم القيمة ،كما صنعت منه تماثيل لأشهر الشخصيات التاريخية في كثير من الحضارات القديمة، وصُك الذهب وإستخدم كعملات لها قيمتها الغالية في سوق المال في حقبات تاريخية عديدة، فبريقه أخاذ ، وارتداؤه يزيد الحسن ، وشراؤه رفاهية ، وإدخاره استثمار ، والتهادي به كرم زائد ، لذلك كان الذهب ولايزال أكثر المعادن النفيسة جذباً و قبولاً في جميع الأمم وعلى مر الزمان .
ولمنزلة الذهب العالية بين الزينة فقد ذكره حكماء العرب في حكمهم، فقالوا” تتحول الأرض إلى ذهب بأيدي الحكماء”، وأنه “الزينة والخزينة” وذكره فلاسفة الغرب في أقوالهم المأثورة ، فقالوا الذهب يمتحن بالنار و الرجال بالتجارب، وقالوا أيضاً الحقيقة أثمن من الذهب، ويعرف الذهب عند إمتحانه، والرجل في آلامه.
كما إستخدمه علية القوم في تجاراتهم وكذلك في بيعهم وشرائهم .
ولعل اهتمامي بارتفاع اسعار الذهب يأتي من شغفي الكبير بمتابعة أخبار هذا المعدن الأصفر النفيس، حيث خبرتي في مجال الذهب والمجوهرات التي نبعت من فترة إشتغالي بمجال تجارة الذهب لعدة سنوات ، ماجعلني أهتم بالبحث في تفاصيل هذه القضية ، وخاصة أنها تعتبر الشغل الشاغل لكثير من المقبلين على الزواج أو ممن يفضلون إدخار الذهب كإستثمار أو من يتاجرون به .
فعلى مدار الشهرين الأخيرين شهد سوق الذهب ارتفاعات صاخبة غير مسبوقة في تاريخ هذا المعدن النفيس ، حيث شهدت نهاية تعاملات الأمس اقتراب سعر جرام الذهب1925دولار للأوقية ، وأصبح عيار 21 وهو الأشهر في أعيرة الذهب ويتزايد الطلب عيله وتحديداً في مصر عن باقي الدول المحيطة ، ليقترب من 1000جنيه أويزيد في بعض الاحيان ، و عيار18 890جنيه ،أما عيار 24فسجل 1140جنيه ، ويستقر سعر الجنيه الذهب في أحيان عند 8000جنيه .
وبحسب آراء العديد من خبراء الذهب بأن ذلك الإرتفاع في أسعار الذهب إنما يكون لتأثره بالعديد من الإجراءات منها ماهو سياسية واقتصادية، فالأزمات السياسية ذات التأثير القوي على الإقتصادات العالمية ، وتمثل حالة الركود الحاصلة في حركة الملاحة الجوية بين روسيا وأوكرانيا ومنها إلى العديد من الدول الكبرى وكذلك تضاؤل حركة التجارة البحرية، خشية تعرضها لنيران هذه التوترات القائمة في تلك المنطقة.
و تتأثر معاملات الذهب بها ،لاسيما الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا حالياً ، حيث ألقت هذه الأزمة المستعرة بين الروس والأوكران على أوساط البورصات العالمية والأسواق المالية العالمية أيضاً وكذلك سوق الذهب .
أما الإجراءات الاقتصادية فمنها مثلاً إرتفاع أسعار البترول عالمياً أو إنخفاضها ، وكذلك إجراءات البنوك العالمية مثل البنك المركزي الأمريكي وإرتفاع أسعار الدولار أو إنخفاضها فيكون لها تأثيراتها المباشرة على ارتفاع وانخفاض سعر المعدن النفيس . هذا بالإضافة إلى تأثر الذهب بتداعيات أزمة ڤيروس “كورونا” المستجد ،ومتحوراته، التي أربكت حسابات الدول والبورصات العالمية وتسببت في نتائج اقتصادية وخيمة على العالم، حيث دفعت في كثير من الأحوال إلى اتجاه المستثمرين أو المواطنين العاديين حول العالم إلى اللجوء لشراء الذهب كملاذ آمن في ظل هذه الأزمة ، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على المعدن النفيس، ذلك لأن السياسة العامة في تحديد أسعار السلع بالسوق الاقتصادي العالمي هي سياسة العرض والطلب ، فكلما زاد الطلب على سلعة او منتج ما تزيد قيمته فبالتالي يزيد سعره، فإذا ما قارنا هذه النظرية الاقتصادية بحالة السوق منذ أزمة بداية أزمة كورونا نجد أن حركة شراء كبيرة حدثت للذهب كملاذ آمن مع بداية الأزمة ما أدى إلى أن تكون أسعاره في زيادة وقد تكون سريعة ومتلاحقة وقد تكون في أحيان أخرى مضطردة وذلك بحسب التذبذبات الحادثة في السوق سواء المحلي أو العالمي.
وقياساً على السوق المحلي للذهب المصري ،فإنه من المقرر أن يشهد السوق زيادة في “المعروض” من الذهب من قبل المواطنين مستغلين بهذا ارتفاع السعر ، فيلجأ كل من قام بشراء الذهب في أوقات ماضية ببيعه في محلات الصاغة للاستفادة من الزيادة في أسعاره الأخيره ، أما حالة الطلب على شراء المعدن النفيس ، فمن المتوقع أن تشهد “ركود” إلا في أوقات الضرورة للزبائن مثل مناسبات الزواج حال شراء «شبكة العروسة» أو الخطوبة أو عيد الأم أو المواليد الجدد .
ولعل الزيادة أو التراجع الحادثين في أسعار الذهب مرتبطة بمتابعة مؤشرات الأداء عالمياً وليس السوق المصري فقط ، وأعتقد أن إرتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه المصري وإجراءات البنك المركزي الأخيرة بزيادة أسعار الفائدة في البنوك كانت من أهم الأسباب وراء ارتفاع أسعار الذهب .
ولعل المتابع لأسعار المعدن النفيس فيجد أنه عادة ما تزيد أسعاره مع فتح أسواق تداوله وبداية التعاملات وذلك يتحدد في أعقاب كل يوم أحد من كل أسبوع ، لكن لايمكننا الجزم بارتفاع أو انخفاض أسعار الذهب لأنها سلعة عالمية ولها سوق عالمي تحدده حركة العرض والطلب العالمية وليس المصرية فقط .
وكانت أسعار الذهب قد شهدت ارتفاعات كبيرة على مدار الأيام الماضية ، والتي جاءت عقب ارتفاع أسعار الدولار الأمريكي متأثرةً بالإجراءات التي قام بها البنك المركزي الأمريكي بعد أن قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة 0.25٪.
ورغم الإجراءات الاقتصادية التي تتبعها المصارف والبنوك في العديد من دول العالم لجذب مزيداً من العملاء لشراء شهادات الإستثمار والودائع وكذلك طرح السندات المالية بأنواعها بعد أن يتم رفع أسعار الفائدة عليها ، يبقى المعدن النفيس هو المتربع على عروش الملاذات الآمنة وبين كل هذه الإجراءات و التحولات ، فيظل الذهب هو السلعة الأسهل في بيعها في أي وقت من دون الحاجة إلى بذل مجهود كبير ، فكل ماعليك فعله هو القيام بمتابعة اسعار الذهب وانتظار الوقت المناسب لكي تذهب الى التاجر وتقوم بعملية البيع او الشراء أو القيام بعملية مقايضة أو تبديل من ذهب قديم إلى جديد .
وكانت الحكومة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي قد بدأت منذ مطلع العام الماضي بالتفكير في إنشاء مدينة لتعليم فن وصناعة الذهب ، إضافة إلى إجراءات للتحول الرقمي في مجال الدمغة الخاصة بالمشغولات الذهبية ، والتي تعد تحولاً كبيراً وقيمة مضافة إلى سوق الذهب المصري ، فضلاً عن أن الدمغة الإلكترونية تعمل على الحماية من محاولات الغش وكذا التلاعب في العيار من قبل التجار أو الصناع معدومي الضمائر، إضافة إلى حصر الكميات الموجودة في الأسواق، ولعل ما يدلل على اهتمام الحكومة المصرية بالترويج للذهب المصري هو حرصها على إقامة معرضاً للذهب ولأول مرة والذي يحمل اسماً فرعونياً وهو “نبيو”، وتم تنظيمه على مدار دورتين كانت آخرها فبراير الماضي 2022، وتعد هذه الإجراءات إيماناً من الدولة المصرية بقيمة الذهب عند المصريين ، منذ عصر قدماء المصريين ،وكأن هذا الارتباط والاهتمام الوثيقين بالذهب من قبل الشعب المصري موروث أصيل لم ينقطع بمرور الزمن.