أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الضمائر بين التحكيم والالتزام

الضمائر بين التحكيم والالتزام

 بقلم – المستشار الدكتور خالد السلامي

في الخامس والعشرين من يوليو عام 2019 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يوم 5 أبريل من كل عام هو اليوم الدولي للضمير والذي يشكل وسيلة لتعزيز السلام والتسامح والتفاهم والتضامن من أجل بناء عالم مستدام قوامه السلام والتضامن والوئام.

ذلك الضمير الذي هو جنة الإنسان وسجنه. فخطأ العقل في اختيارٍ ما مثلاً قد يدفع العقل إلى إصلاح الخطأ وتجاوزه نحو فعل آخر وقرار آخر. ولكن أن يصلح العقل خطأ قرار ما ويغيِّره بموقف جديد جميل وموفَّق لا يعني أن المسألة قد انتهت، وإنما يعني أن المسألة قد بدأت، لأن قوة الضمير ستحمّل نفسها مسؤولية القرار الخطأ حتى وإن أصلحناه وغيرناه، وهي مسؤولية واقعية وفعلية ستبقى آثارها في النفس وفي الآخرين، لأن البشر سيلتقطون هذه الأفعال ويمارسونها رغم تراجع العقل عن قراره وإصلاحه لخطئه.
لقد تجاهلت البشرية في العقود الأخيرة، كل المعايير الأخلاقية التي طرحتها أديان، أو الفلسفات، أو المعتقدات معتبرة، أو التي تحدث عنها مفكرون، وكتّاب، وفلاسفة معاصرون. طغى بين الناس التعصب، والأنانية، واستشرى الجشع، والفساد، والإفساد، والربح المتوحش، والمضاربة، والكراهية الجماعية. تجاهلت البشرية معاناة ثلاث مليارات إنسان من الفقراء، يفتقدون حتى الماء، وأصبحوا يعانون من فقر الأخلاق الإنسانية، والضمير المسؤول.

إن الضمير هو المحرك الأساسي لثقافة السلام وهو السبيل لإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب ولتحقيق الحرية والعدالة والديموقراطية وجميع حقوق الإنسان والتسامح والتضامن ونبذ العنف وكذلك لمنع نشوب المنازعات عن طريق معالجة أسبابها الجذرية وحل المشاكل بالحوار والتفاوض وبذلك ضمان الممارسة الكاملة لجميع الحقوق للأجيال المقبلة وسبل المشاركة التامة في عملية التنمية لمجتمعاتها.

يتطلب بناء ثقافة للسلام عملا تربويا وتثقيفيا واجتماعيا ومدنيا شاملا، يتاح من خلاله لكل شخص أن يتعلم ويعطي ويشارك، كما يجب أن يخاطب هذا العمل جميع الأعمار والفئات؛ ليكون استراتيجية عالمية متفتحة الذهن ويتوخى هدفا محددا، ألا وهو جعل ثقافة السلام لا تنفصم عن الثقافة بذاتها، مع ترسيخها في أفئدة الناس وعقولهم.

إن بناء ثقافة السلام يتطلب مشاركة الجميع بفئاتهم وأعمارهم المختلفة ويعتبر استراتيجية عالمية لجعل ثقافة السلام مرتبطة بالثقافة وراسخة في العقول والأفئدة حيث إن السلام هو ليس غياب الخلافات أو النزاعات ولكنه عملية إيجابية تشاركية مرتبطة بتحقيق الديموقراطية والعدالة والتنمية للجميع.

إن السلام لا يرمز فقط لغياب الخلافات أو النزاعات فحسب، وإنما هو عملية إيجابية ديناميكية وتشاركية مرتبطة بشكل لا ينفصم لتحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية للجميع، وبما يكفل احترام الاختلافات وتشجيع الحوار وتحويل النزاعات بصفة مستمرة بفصل وسائل اللاعنف إلى سبل جديدة للتعاون.

إن الحاجة ضرورية وماسة إلى تحكيم الضمائر وإلى الالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والاعتداد بالعادات وبالقيم والعادات والتقاليد الإيجابية، فلدينا في العقيدة الإسلامية وفي القيم والتقاليد والأصالة العربية، ما هو كفيل بإيقاظ الضمير إلى أقصى درجات اليقظة، لكي نثبت أننا قادرون على صنع مستقبلنا الحضاري، بالمحبة والإخوة والعمل بعيداً عن كل نوازع الشر، وفي تراثنا وتاريخنا العربي الإسلامي من القدوة الصالحة ما يدفعنا ويحثنا على ارتياد طريق الخير والمحبة.