الدكروري يكتب عن الخليفه العباسي المعتمد علي الله “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفه العباسي المعتمد علي الله “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفه العباسي المعتمد علي الله، وفي سنة مائتان وسبعه وستين من الهجرة، استولى أحمد بن عبد الله الحجابي على خراسان وكرمان وسجستان وعزم على قصد العراق وضرب السكة باسمه وعلى الوجه الآخر اسم المعتمد وهذا محل الغرابة ثم إنه في آخر السنة قتله غلمانه فكفى الله شره، وفي سنة مائتان وتسع وستين من الهجره، اشتد تخيل المعتمد من أخيه الموفق فإنه كان خرج عليه في سنة في سنة مائتان وأربعه وستين من الهجره، ثم اصطلحا فلما اشتد تخيله منه هذا العام كاتب المعتمد ابن طولون نائبه بمصر، وقد اتفقا على أمر فخرج ابن طولون حتى قدم دمشق وخرج المعتمد من سامرا على وجهه التنزه وقصده دمشق فلما بلغ ذلك الموفق كتب إلى إسحاق بن كنداج ليرده فركب ابن كنداج من نصيبين إلى المعتمد.
فلقيه بين الموصل والحديثة فقال يا أمير المؤمنين أخوك في وجه العدو وأنت تخرج عن مستقرك ودار ملكك ومتى صح هذا عنده رجع عن مقاومة الخارجي فيغلب عدوك على ديار آبائك وفي كلمات أخر ثم وكل بالمعتمد جماعة ورسم على طائفة من خواصه ثم بعث إلى المعتمد يقول ما هذا بمقام فارجع فقال المعتمد فاحلف لي أنك تنحدر معي ولا تسلمني فحلف له وانحدر من سامرا فتلقاه صاعد بن مخلد كاتب الموفق، فسلمه إسحاق إليه فأنزله في دار احمد بن الخصيب ومنعه من نزول دار الخلافة ووكل به خمسمائة رجل يمنعون من الدخول إليه ولما بلغ الموفق ذلك بعث إلى إسحاق بخلع وأموال وأقطعه ضياع القواد الذين كانوا مع المعتمد ولقبه ذا السندين ولقب صاعدا ذا الوزارتين وأقام صاعد في خدمة المعتمد ولكن ليس للمعتمد حل ولا ربط.
وهو أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به ثم أدخل المعتمد واسط ولما بلغ ابن طولون ذلك جمع الفقهاء والقضاة والأعيان وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضي بكار بن قتيبة فإنه قال أنت أوردت على المعتمد كتابا بولايته العهد، فأورد على كتابا آخر منه بخلعه فقال إنه محجور عليه ومقهور فقال لا أدري فقال ابن طولون غرك الناس بقولهم ما في الدنيا مثل بكار وبلغ الموفق ذلك فأمر بلعن ابن طولون على المنابر، وفي شعبان من سنة مائتان وسبعين من الهجره، أعيد المعتمد إلى سامرا ودخل بغداد ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته كأنه لم يحجر عليه ومات ابن طولون في هذه السنة فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله وجهزه إلى مصر في جنود العراق وكان خمارويه بن أحمد بن طولون.
أقام على ولايات أبيه بعده فوقع بينه وبين أبي العباس ابن الموفق وقعه عظيمة بحيث جرت الأرض من الدماء وكان النصر للمصريين، وقيل أنه كان من خيار خلفاء بني العباس ورجالهم، وكان شهما جلدا، موصوفا بالرجولة، وقد لقي الحروب، وعرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس، وكانت أيامه طيبة، كثيرة الأمن والرخاء، وقد أسقط المكوس، ونشر العدل، وكان يسمي السفاح الثاني، لأنه جدد ملك بني العباسي، وكان قد خلق وضعف، وكاد يزول، وكان في اضطراب منذ أن قتل المتوكل، وقيل أنه في شهر رمضان من سنة مائتان وخمسه وخمسين من الهجره، قيل أنه قام دعي في آل علي لا يعرف له نسب ولا رحم، زعم أن اسمه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى، بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
فادعى أنه عباسي، ودعا الناس إلى طاعته، وقد ظهرت فتنته أولا بالبحرين، ثم تحول عنهم إلى البادية، ثم إلى البصرة سنة مائتان وأربعه وخمسين من الهجره، ثم مضى الدعيّ ومن اتبعه حتى وصل بغداد، فأقام بها عاما يستميل الناس سرا، ثم شخص إلى البصرة، ونزلوا بقصر قريب منها يعرف بقصر القرشي، وهناك استعان بالعبيد الذين كانوا يعملون بتلك النواحي في حمل السباخ وغيره لأهل البصرة، وهم كثيرو العدد يهمهم أن ينالوا الحرية ويخرجوا مما هم فيه فكيف لو وُعدوا مع الحرية بالسيادة على مالكي رقابهم؟ فأخذ هذا الدعيّ منهم غلاما اسمه ريحان بن صالح ووعده أن يكون قائدا، وأمره أن يحتال للعبيد الذين يعرفهم حتى يجيبوه إلى نحلته، ويتركوا سادتهم وأعمالهم فاجتمع إليه كثير منهم فخطب فيهم ومناهم.