الدكروري يكتب عن الخليفه العباسي المعتمد علي الله “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفه العباسي المعتمد علي الله “جزء 1”
أبو العباس أحمد المعتمد على الله، وهو المعتمد بالله، وهو أحمد المعتمد على الله، أبو العباس أمير المؤمنين ابن المتوكّل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد الهاشمي العباسي، وهو الذي أعاد الوعي إلى الخلافة العباسية، وكانت أمه هى رومية واسمها فتيان، وقد ولد سنة مائتين وتسعة وعشرين من الهجره، وقيل أنه كان من مطالب الأتراك أن يتولى أمر الجيش أحد إخوة أمير المؤمنين المعتمد على الله، ولا يرأسهم واحد منهم لما كان بينهم من الخلاف والمنافسة، فولى المعتمد أمرهم إلى أخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل، فولاه أمر الجيش والولايات، فصار السلطان الحقيقي لأبي أحمد لا للخليفة، وصارت كلمة أبي أحمد هي العليا، على الأتراك وقوادهم فحسن ذلك الأحوال بعض التحسين ولكن المعتمد نفسه ساءت أحواله.
لأنه لم يترك له شيء من التصرف حتى إنه احتاج في بعض الأحيان إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها، والمعتمد هو أول خليفة انتقل بعاصمة الخلافة من سامراء إلى بغداد ثانية منذ عهد المعتصم، وكان أبو أحمد غزير العقل حسن التدبير، وكان يجلس للمظالم وعنده القضاة، فينصف المظلوم، وكان عالما بالأدب والفقه وسياسة الملك، وله محاسن ومآثر كثيرة لقبه أخوه بالموفق بالله، ولما هزم صاحب الزنج لقبه الناس الناصر لدين الله، ولما قتل المهتدي كان المعتمد محبوسا بالجوسق فأخرجوه وبايعوه ثم أنه استعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصير ابنه جعفرا ولي عهده وولاه مصر والمغرب ولقبه المفوض إلى الله وانهمك المعتمد في اللهو واللذات واشتغل عن الرعية فكرهه الناس وأحبوا أخاه طلحة، وفي أيامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها وأخربوها وبذلوا السيف.
وأحرقوا وخربوا وسبوا وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات وأمير عسكره في أكثرها الموفق أخوه وأعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق فمات خلق لا يحصون ثم أعقبه هدات وزلازل فمات تحت الردم ألوف من الناس، واستمر القتال مع الزنج من حين تولى المعتمد سنة مائتان وسته وخمسين من الهجره، إلى سنة مائتان وسبعين من الهجره، فقتل فيها رأس الزنج لعنه الله واسمه بهبوذ وكان ادعى أنه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وأنه مطلع على المغيبات، وذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدمي وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف وكان له منبر في مدينة يصعد عليه ويسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، وكان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاثة.
وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن، ولما قتل هذا الخبيث دخل برأسه بغداد على رمح وعملت قباب الزينة وضج الناس بالدعاء للموفق ومدحه الشعراء وكان يوما مشهودا وأمن الناس وتراجعوا إلى المدن التي أخذها وهي كثيرة كواسط ورامهرمز، وقد قام هو وأخوه الموفق نشر الخلافات بين نفوذ الأتراك لإعادة الخلافة العباسية إلى سابق عهدها كما فعل المهتدي بالله قبل خلعه، وقام الموفق للتصدي لثورة الزنج، بينما هو كان يتصدى للثورة، حاول الخليفة أن ينقل الخلافة العباسية إلى مصر التي كانت تحكمها الدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون خشية أن يكون تحت إمرة أخيه الموفق، ولكن الموفق علم بالأمر فأمر بإرجاعه إلى بغداد، وفي سنة مائتان وستين من الهجره، وقع غلاء مفرط بالحجاز والعراق.
وبلغ كر الحنطة في بغداد مائة وخمسين دينارا وفيها أخذت الروم بلد لؤلؤة، وفي سنة مائتان وواحد وستين من الهجره، بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوض إلى الله جعفر ثم من بعده لأخيه الموفق طلحة وولى ولده المغرب والشام والجزيرة وأرمينية وولي أخاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والري وخراسان وطبرستان وسجستان والسند وعقد لكل منهما لواءين أبيض وأسود وشرط إن حدث به حدث أن الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جعفر قد بلغ وكتب العهد وأنفذه مع قاضي القضاه ابن أبي الشوارب ليعلقه في الكعبة، وفي سنة ست وستين وصلت عساكر الروم إلى ديار بكر ففتكوا وهرب أهل الجزيرة والموصل وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها، وفي سنة مائتان وسبعه وستين من الهجرة..؟