الدكرورى يكتب عن الحضارة ومراحل التطور الإنساني ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الحضارة ومراحل التطور الإنساني ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع الحضارة ومراحل التطور الإنساني، ومن مظاهر إنسانية الحضارة الإسلامية هو إقرارها لمبدأ حرية الاعتقاد بشكل صريح لا يقبل التأويل، وحرية إقامة الشعائر، وحماية دور العبادة للجميع، ورفضها لكل أشكال الإكراه والإرهاب، حيث يقول عز وجل ” لا إكراه فى الدين” ومن أهم جوانبها الإنسانية هو الرحمة بالضعفاء، واحترام كبار السن، وإعطاء ذوي الهمم حقوقهم كاملة غير منقوصة، حيث يقول النبى صلى الله عليه وسلم ” إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” ويقول صلى الله عليه وسلم ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا” وعندما مرّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل كبير السن من أهل الكتاب، يسأل على أبواب الناس.
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أنصفناك في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، وهنا يقول النبى صلى الله عليه وسلم ” الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء” في التاريخ، تتابع الأنبياء، وكلهم يقدم الحضارة الإنسانية الملائمة، المنسجمة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، مركزين على الجوانب التي اهتز رصيدها، حتى يعود التوازن والانسجام من كل الجوانب، وعندما جاء الإسلام سار على الدرب، فكان هو أيضا ونجح هذا الدين العظيم في مهمته التاريخية، فقدم إنسانا متكاملا، وقدّم من خلاله حضارة متكاملة أبدعت في شتى الجوانب، سواء كانت روحية، أو عقلية، أو مادية، والأهم أنه قدّم هذه الحضارة المتعددة الجوانب، على نسق توحيدي.
يفرض نزعته التوحيدية على كل صور إبداعية من إبداعات هذه الحضارة، فنية أو علمية أو روحية، ولقد ظلت هذه الحضارة الإسلامية في كافة عصورها ومراحلها وحدة تاريخية متكاملة، كما أن الأصول الروحية والمادية التي قامت عليها هذه الحضارة ظلت ماثلة في كيان المجتمع الإسلامي في إبّان عصره الأول والوسيط، ولا تزال ماثلة في عصره الحديث بدرجة متفاوتة ولكنها موجودة وكاملة على مستوى التنظير الأقل وأيضا وبنفس المستوى ظل الإنسان المسلم هو المترجم الحقيق في مجال الفكر والتطبيق لمنهج هذه الحضارة، وظل العمود الفقري الذي تعتمد عليه الحضارة الإسلامية، وهي تقوم بدورها في التاريخ، فإن هذا الإنسان المسلم حمل أمانة بتجسيد الحضارة الإسلامية في كل جزئيات فكره وسلوكه، فكان خليفة في الأرض، يحمل إلى البشرية الأمانة التي حملها الإنسان
ولقد كان هذا الإنسان المسلم هو النموذج الحضاري الذي تتحقق فيه الشروط الكاملة للقيام بالدور الحضاري، وهي ثمانية شروط، وهي الارتكاز على قيادة ملهمة وهي النبوة، وعلى اعتبار روحي وهو التوحيد، وعلى دستور، وهو القرآن، وعلى مركز محسوس وهو بيت الله الحرام، وعلى هدف واضح تقرّه الجماعة، وتكون له السيادة على قوى الطبيعة، وأن تتطور ذاته في اتجاه الذات الكلية الجامعة، وأن يحفظ للأمومة حقها والمقصود هنا هو دور المرأة عموما، وذكر الأمومة هنا لأنها أشرف أدوار المرأة، وإن من الضروري لهذه الذات هو أن تتصادم بالعوامل الخارجية وهو التحدي حتى تظهر قوتها وحيويتها، وعبقريتها وقدرتها على المقاومة والنمو، فهذه هي الحضارة وهي الذات المسلمة التي صنعت الحضارة الإسلامية، التي أدت دور الخليفة في الأرض، وإن إنسانية الحضارة الإسلامية لم تقف عند حدود التعامل مع البشر.
بل امتدت لتشمل التعامل الإنساني مع الحيوان، ولا أدل على ذلك من أن نبينا صلى الله عليه وسلم تحركت مشاعره حين دخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمل قد حن إليه النبي صلى الله عليه وسلم تذرف عيناه بالدمع مما يفعله به صاحبه، فمسح ذفراه فسكت، فقال “من صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم ” أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبة” ولقد تراكمت الأخطاء، حين تسلط المُلك العضوض، وسقطت إرادة المسلم السياسية، وحين أصبح الإسلام جباية لا هداية، وسقطت إرادة المسلم الاجتماعية، وحين استأثر ببيت المال أسرة أو جماعة، وسقطت إرادة المسلم الاقتصادية، وتنازع المسلمون فيما بينهم، فسقطت عوامل كثيرة من عوامل شعورهم الواحد، وقبل كل ذلك، كانت الذات المسلمة تفقد أجزاء من ذاتها، فتتفاعل مع عوامل الهدم الخارجية، وكانت أزمتها الكبرى في داخلها، فلم تستطع مقاومة التحديات الجديدة.