الدكرورى يكتب عن الحضارة ومراحل التطور الإنساني ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الحضارة ومراحل التطور الإنساني ” جزء 1″
إن أعظم ما يمزق الصف الإسلامي من داخله ويشرخ في وحدته في عصرنا هذا، هو حين يتكلم من رأى أمة الإسلام في ركب المتخلفين، وذيل الأمم، فأصبح يلفق بين الإسلام وبين ما يسمى بالحضارة الغربية ويقدم للعالم أجمع إسلاما مقصّصا قد تخلى بنزعة غربية، ولهجة استرضائية للغرب الكافر الذي لا يعرف للإسلام طريقا ولم يقم له وزنا وقدرا، وكل ذلك بسبب ضغط الواقع، معبرين عنه بالإسلام المستنير، فتلك هي ثقافة الضرار، ومنهجية التلبيس التي صيرت عالمنا الإسلامي المتزلف الأول للكفار، والتي يجب أن يجند دعاة الإسلام وعلمائه في كل مكان للرد عليها، وكشف شبهها، لعل الله سبحانه وتعالي أن يهدي أصحابها ومن تأثر بفكرهم ويردهم إلى سواء السبيل،
وإن الحضارة هي جملة مظاهر الرقى العلمي والفني والأدبي والاجتماعي.
في مجتمع من المجتمعات، أو في مجتمعات متشابهة، فهي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني، وكانت فترة ظهور الإسلام هي الفترة التي أعادت صياغة الإنسان في الجزيرة العربية، وأرست لبنات حضارة جديدة أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، ووضعت الأساس لبناء الإنسان في الإسلام، وكان الوحى هو الذى يعيد صياغة الفرد في معتقداته وأفكاره، ويزكيه، وينشئ الروابط، ويؤسس الصرح الذى يقوم عليه بناء الأمة، ومن أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الاسلامية، هو عقيدة التوحيد، حيث أرسى الإسلام مفهوما للتوحيد عندما خاطب مشركي مكة ذاكرا لهم إنه لا يكفي ما هم عليه من توحيد الربوبية، أي الإقرار بأن الله هو رب كل شيء وخالق كل شيء، بل لابد أن يقترن هذا الإقرار بالتوجه بالعبادة لله وحده لا شريك له من مخلوقات الله.
وقد ترتب على هذا الاقرار آثار ايجابية في بناء المسلمين، لأن الناس عندما يقبلون على الخضوع لله وحده فإنهم سيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويجاهدون في سبيله لإرساء قيم الحق والعدل والمساواة والكرامة والعلم النافع، وكذلك العدل، وقد ركزت نصوص القرآن والسنة على قضية العدل، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم “إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” وكذلك هناك العلم، حيث جاء الإسلام ليعيد ترتيب العقل الإنساني، ثم يطلقه ليعرف ربه من خلال آياته في الكون والنفس، فإن أول ما نزل به الوحى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى ” اقرأباسم ربك الذى خلق” وهو يختص بالعلم، ومما يدل على اهتمام الإسلام بالعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم.
جعل فداء أسرى بدر، تعليم الواحد منهم عشرة من أبناء الأنصار القراءة والكتابة، هذا وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الحث على تحصيل العلم النافع، مما كان له أثر فعال في بناء الحضارة الإسلامية، وأيضا الأخلاق الفاضلة، إذ أن القرآن الكريم دستور شامل لتربية الأفراد والجماعات تربية صحيحة في شتى مجالات الحياة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فجعل إتمام مكارم الأخلاق هدفا لبعثته صلى الله عليه وسلم، وكذلك العمل، وهو الذي يشيّد صرح الحضارة، والإسلام يدعو للعمل بل هو دين عملي، ونبي الإسلام كان يتعوذ من العجز والكسل، ولقد حث الإسلام الناس على عمارة الأرض في شتى الميادين، والأحاديث النبوية التي تدعو للعمل والسعي من أجل طلب الرزق وعمارة الأرض كثيرة جدا.
وهى التي دفعت المسلمين لإقامة حضارة عالمية جعلتهم في طليعة الشعوب الحضارية، فهذه هي أسس الحضارة الإسلامية وهي تمثل المبادئ الإصلاحية التي تضمنها الدين الإسلامي، وبتلك المبادئ أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لتنظيم هذا العالم وإصلاحه، وقيادته إلى الطريق السليم الذي يوجهه إلى الخير والسعادة، وينأى به عن الشر والشقاء، وإنه بعيدا عن ذلك الجدل العقيم حول دور الإنسان الفرد والإنسان المجتمع في العملية الحضارية فإننا نؤمن إيمانا لا يخالجه شك بأن الإنسان الفرد هو الأصل الأصيل لكل حضارة في التاريخ، ثم يأتي بعده الإنسان المجتمع، وبالتالي فإن ما يصيب الإنسان المسلم من أمراض حضارية تؤثر بطريقة جوهرية على المستوى الذي تستطيع به هذه الحضارة أن تستجيب للتحديات البيئية أو البشرية.