الدكرورى يكتب عن نبي الله موسي عليه السلام “جزء 10”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله موسي عليه السلام “جزء 10”
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله موسي عليه السلام، وكانت مؤمنة صالحة تقية على دين الإسلام، وكانت تكتمُ إسلامها خوفًا من فرعون وطغيانه، فلما فتحت باب التابوت والصندوق رأت فيه طفلا جميلا وسيمًا فألقى الله تعالى محبته في قلبها وأحبته حبا شديدا، فلما جاء فرعون ورءاه أراد قتله وأمر بذبحه فما كان من زوجته آسية إلا أن دافعت عنه وطلبت منه أن لا يقتله لأنها كانت لا تلد، فما كان من فرعون إلا أن أجابها بقوله، إنه يكون لك وأما أنا فلا حاجة لي فيه، وكان هارون عليه السلام قد بعثه الله تبارك وتعالى معينا لنبيه موسى عليه السلام حين أراد أن يبعثه إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان، وقد دعا موسى عليه السلام ربه بدعوات حين أمره تعالى أن يذهب إلى فرعون.
وذلك لدعوته إلى الإيمان وقد استجاب الله دعوته، وقد ولد نبي الله هارون عليه السلام بعد ولادة موسى بثلاث سنوات، وفي السنة التي لا يذبح فيها الأطفال، أي عام المسامحة عن قتل الأبناء فترك ولم يُذبح، وولد نبي الله موسى عليه السلام في السنة التي يذبح فيها الأطفال، فضاقت أمه به ذرعا خوفا من قتله وأخذت تأخذ حذرها وحيطتها من أول ما حبلت به، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحمل، ولما قرب وقت وضع الحمل حزنت حزنا شديدا واشتد غمها وكربها، فألهمها الله تعالى ألا تخاف ولا تحزن لأن هذا المولود سيكون له شأن عظيم، وأنه سيحفظه من كيد فرعون ثم يجعله من المرسلين، وأمرها الله تبارك وتعالى أن ترضعه، حتى إذا خافت عليه تصنع له تابوتا وصندوقا من خشب ثم تضعه فيه.
وتلقيه في البحر ولا تخاف من الهلاك ولا تحزن لأنه سيكون في حفظ الله ورعايته وكفى به حافظا ووكيلا، وقيل أن قارون الذي ذكره الله تعالى في القرءان هو ابن عم موسى عليه السلام وقيل غير ذلك، وكان من أتباع فرعون مصر الكافرين الذين اتبعوا فرعون على كفره وضلاله، وكان رجلا طاغيا فاسدا غرته الحياة الدنيا، وكان كثير المال والكنوز، وقد ذكر الله تبارك وتعالى كثرة كنوزه وبيّن أن كنوزه كان يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الأقوياء الأشداء حتى قيل إن مفاتيح خزائن كنوزه كانت تحمل على أربعين بغلا، ولكن قارون غرته الحياة الدنيا وغرَّه ما عنده من أموال وكنوز، وطغى وبغى على قومه بكثرة أمواله وافتخر عليهم واستكبر بما آتاه الله تعالى من الأموال والكنوز.
فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه وقالوا له لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك وتستكبر، إن الله لا يحب الذين يفتخرون بأموالهم على الناس وقالوا له، وابتغي فيما أتاك الله الدار الآخره، أي لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة بالإيمان والعمل الصالح فإن هذا خير وأبقى وقالوا له، لا تنسى نصيبك من الدنيا، أي ولا تنسي أن تأخذ من الدنيا لآخرتك بالتزود لها والاستعداد كما قال ابن عباس، ثم نصحوه قائلين له، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغي الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين، أي أحسن إلى خلق الله كما أحسن الله تعالى خالقهم إليك، ولا تفسد فيهم وتبغي فتعاملهم بخلاف ما أمرت به.
ولكن قارون أجابهم جواب مغتر مفتون مستكبر فقال لهم، قال إنما أوتيته على علم عندى، يعني أنا لا أحتاج إلى نصيحتكم أي أوتيته على معرفة مني وخبرة، ثم أخذ يزداد في بغيه وفساده معتقدا أن الله سبحانه يحبه ولذلك أعطاه هذا المال الكثير، وخرج قارون يوما متجملا في موكب عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رءاه من قومه من هو مغرور بزهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه من زينة وما له من كنوز وأموال، فلما علم بمقالتهم العلماء العارفون ذوو الفهم الصحيح والزهاد قالوا لهم، ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى، وبينما قارون في موكبه خسف الله تعالى الأرض.