الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي الوليد الثانى بن يزيد “جزء 8”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي الوليد الثانى بن يزيد “جزء 8”
ونكمل الجزء الثامن مع الخليفة الأموي الوليد الثانى بن يزيد، فنزل وسيف الوليد إلى جانبه فقال له يزيد نح سيفك، فقال الوليد لو أردت السيف كانت لي ولك حال، فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يحبسه ويؤامر يزيد بن الوليد فيه، فنزل من الحائط عشرة فضربه واحد على وجهه وضربه آخر على رأسه، وجره خمسة منهم ليخرجوه فصاحت امرأة كانت معهم في الدار فكفوا عنه فلم يخرجوه، واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه وأخذ عقبا فخاط الضربة التي في وجهه وحمل الرأس إلى يزيد بن الوليد، روح بن مقبل، وقال ابشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، وكان يزيد يتغدى فسجد ومن كان معه، وأخذ يزيد بن عنبسة بيد يزيد بن الوليد وقال قم يا أمير المؤمنين وابشر بنصر الله وصنعه، فاختلج يزيد يده من كفه وقال اللهم إن كان هذا الأمر لك رضى فسددني ووفقني.
قالوا وكان على ميسرة الوليد بن يزيد، الوليد بن خالد أخي الأبرش الكلبي في بني عامر، وكانت بنو عامر ميمنة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فلم تقاتل الميسرة والميمنة، ومالوا جميعا إلى عبد العزيز، وقال بعضهم رأيت خدم الوليد وحشمه يأخذون بأيدي الرجال فيدخلونهم عليه، وقال الهيثم بن عدي خرج الوليد وعليه قباء خز وقد تحزم بريطة، فأتاه قوم من أهل حمص ينصرونه، عليهم عبد الرحمن بن أبي الجنوب البهراني، وأتاه بنو سليم بن كيسان صاحب باب كيسان بدمشق في ستة عشر فارسا، وتلقاه بنو النعمان بن بشير الأنصاري في فوارس، ثم صار إلى البخراء فضاق العلف على أصحابه، فاشترى زرع القرية فقالوا له لا حاجة لنا في البقل إنما تسترخي عليه دوابنا وتضعف، أعطنا دراهم، وأخبر بإقبال عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك من قبل يزيد الناقص.
فلم يكترث لذلك، وكان العباس بن الوليد قد أقبل يريد الوليد كراهة لنقض بيعته فوجه إليه عبد العزيز فحازه إليه، وسمع الوليد تكبير أصحاب عبد العزيز بالبخراء، فخرج خالد بن عثمان فعبأ الناس، ولم يكن بينهم قتال حتى طلعت الشمس، وكان مع أصحاب يزيد كتاب معلق في رمح فيه إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وأن يكون الأمر شورى، فاقتتلوا فقتل عثمان الخشبي، وكان من أولاد بعض الخشبية الذين كانوا مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقتل مع أصحاب الوليد زهاء ستين رجلا، وكان الأبرش على فرس له فجعل يصيح بابن أخيه يا بن اللخناء قدم رايتك، قال لا أجد متقدما إنها بنو عامر، وقال هشام بن عمار حدثت أن العباس بن الوليد قاتل مع الوليد بن يزيد وفاء ببيعته، فطعنه رجل من أصحاب عبد العزيز فأرداه عن فرسه.
فعدل إلى عبد العزيز فسقط في يد أصحاب الوليد وانكسروا، ومكث العباس عند عبد العزيز أسيرا، ثم إن أخاه يزيد بن الوليد صفح عنه وكان به برا، فهذا يدل علي ان التهم التي الصقت بالوليد وكانت باطلة أشاعها حوله اعداؤه من أبناء اعمامه ثم كيف لإنسان ان يصدق ان الوليد، وهل كان ولي عهد وهو يعني خليفة المسلمين في المستقبل أيعقل أن يهم بشرب الخمر فوق الكعبة وهو أمير الحج ؟ وهل ضاقت عليه الدنيا حتي لم يجد مكانا يشرب فيه الخمر غير الكعبة، وان هذا لو حدث من حاكم مسلم في عصرنا هذا لرماه الناس بالحجارة، فكيف بالوليد خليفة المسلمين وهو في عصر قريب من عصر النبوة والخلافة الراشدة وملئ بالعلماء والصالحين من التابعين، وعلي كل حال اذن الله لدولة بني امية ان تزول وحق عليهم قول الحق “يخربون بيوتهم بأيديهم”
ولم نبعد عن الصواب حين قلنا أن مقتل الوليد علي أيدي أبناء عمومته كان بداية النهاية لدولتهم، ولم تجتمع لهم كلمة بعده كما حذرهم الوليد نفسه ولقد حاول بعض بني أمية مثل العباس بن الوليد أخي يزيد قائد الثورة علي الوليد، ومروان بن محمد أن يوقفوا التدهور الذي آل إليه بنو أمية وأن يمنعوا الثورة على الوليد لكنهم فشلوا في ذلك واستطاع الثوار الإحاطة بالوليد في قصره في قرية تسمي البخراء علي بعد أميال من تدمر وقتلوه في أواخر جمادي الاخر سنة مائه وسته وعشرين من الهجره، وجاء مقتله دليلا علي حالة الانهيار الذي وصل اليه أبناء البيت الأموي الذين فقدوا كل إحساس بالمحافظة علي دولتهم والأخطار التي كانت تحدق بها من كل جانب ولقد سهلوا بعملهم هذا لأعدائهم القضاء على دولتهم وعليهم جميعا في مدى ست سنوات، بعد مقتل الوليد بن يزيد.
وقيل أن الوليد بن يزيد قد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها سفري فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألحّ عليها وعشقها فلم تطاوعه، فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكَّر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها ويحكم، أتدرين من هذا الرجل ؟ فقالت لا ، فقيل لها هو الوليد فلما تحققَت ذلك حنت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحن عليه، وقيل أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمّار بخمسمائة دينار، وقيل أن أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئا من سيرته وأخباره.