الدكروري يكتب عن نبي الله إدريس عليه السلام “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إدريس عليه السلام “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله إدريس عليه السلام، ونبي الله إدريس عليه السلام كان له مواعظ وآداب اشتهر بها بين قومه وأهل ملته، فقد دعا إدريس عليه السلام إلى دين الله وإخلاص العبادة له، وإلى الالتزام بالشريعة وإلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح، وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة والعمل بالعدل وعدم الظلم، وأمرهم بالصلاة وبينها لهم وأمرهم بصيام أيام معينة من كل شهر، وأمرهم بزكاة الأموال معونة للفقراء، وشدد عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرّم عليهم الخمر والمسكر من كل شىء من المشروبات وشدد فيه تشديدا عظيما، وقيل جعل لقومه أعيادا كثيرة في أوقات معروفة، وقيل كان في زمانه اثنان وسبعون لغة يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى لغاتهم جميعها ليعلم كل فرقة من قومه بلغتهم كما قال الله تعالى في سورة إبراهيم.
” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم” وقيل إنه علم قومه العلوم، وإنه أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله سبحانه وتعالى أفهمه أسرار الفلك وتركيبه، وأفهمه عدد السنين والحساب، وقيل إنه أول من نظر في علم الطب، وأول من أنذر بالطوفان، وأول من رسم لقومه قواعد تمدين المدن وأقام للأمم في زمانه سننا في كل إقليم سنة تليق بأهله، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على نبية إدريس عليه السلام ووصفه بالنبوة والصديقية، أي بليغ التصديق بما يجب لله من الوحدانية والتنزيه ،ويذكر ابن كثير بأنه أخنوخ، وهو في عمود نسب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، على ما ذكره غير واحد من علماء النسب، وكان أول نبي أعطاه الله عز وجل النبوة بعد آدم وابنه شيت عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم.
وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة وثماني سنوات، وقوله تعالى “ورفعناه مكانا عليا” وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة، وتفسر بأنها شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى، وذلك كما ذكر فى رحلة الإسراء والمعراج والذى رواه البخارى ومسلم، وقد أقام إدريس عليه الصلاة والسلام في العراق وفي مصر يدعو إلى دين الإسلام، وجاهد في سبيل الله، وصبر في الدعوة إلى الله الصبر الجميل، وتحمل من قومه الكثير وهو يدعوهم إلى الالتزام بالشريعة وبطاعة المولى سبحانه وتعالى وعدم معصيته، ثم رفعه الله تبارك وتعالى إلى السماء كما قال الله تعالى في حق إدريس عليه الصلاة والسلام، وقد اختلف المؤرخون في السماء التي رفع إليها إدريس عليه السلام، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير الآية.
إن الله رفعه إلى السماء السادسة فمات بها، وروي عن مجاهد في قوله تعالى” ورفعناه مكانا عليا” وقال السماء الرابعة، والصواب أنه عليه الصلاة والسلام مات على هذه الأرض، وأما أنه لم يزل في السماء السادسة فغير معتمد، وذلك لقول الله تعالى ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخري” فأخبر أن الإنسان خلق من هذه الأرض وتكون نهايته بعد الممات إليها ومنها يبعث يوم القيامة، وأنه من أنبياء بني إسرائيل من بعد نبي الله سليمان عليه السلام، وأنه يسمى في التوراة إيليا، وقد أرسله الله تعالى لما انتشرت الوثنية في بني إسرائيل، وساعد على انتشارها بينهم ملوكهم، وبنوا لها المذابح وعبدوها من دون الله تعالى، ونبذوا أحكام التوراة ظهريا، فقام نبي الله إلياس عليه السلام يوبخهم على ضلالهم، ويدعوهم إلى التوحيد.
وحذرهم من عذاب الله تعالي ونقمته، وأنكر عليهم أن يعبدوا صنمهم الذي يسمى بعلا، أو يطلبوا منه الخير، وهو صنم من أصنام الفينيقيين، وأقاموا له ولغيره من الأوثان معابد ومذابح وكهنة يعظمون من شأنهم، ويقيمون لهم المآدب والأعياد الحافلة، ويقدمون لهم ضحايا بشرية، ويتركون عبادة الله أحسن الخالقين، ربهم ورب آبائهم الأولين، فكذبه قومه فقال الله تعالي ” فكذبوه فإنهم لمحضرون” في العذاب، إلا من آمن به واتبعه، وجعل الله تعالي له ذكرا في الأمم التالية، وسيجازيه الله أحسن الجزاء لأنه من المحسنين، وأنه من عباد الله المؤمنين، وهو على هذا القول نبي الله إلياس غير إدريس، عليهما السلام، وأما ما جاء في وصفه فقد روى الحاكم في المستدرك عن سمرة بن جندب قال كان إدريس أبيض طويلا، ضخم البطن.
عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص، فلما حصل من أهل الأرض الفجور والاعتداء في أمر الله رفعه الله إلى السماء، ويروى أن نبي الله إدريس عليه السلام كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال سبحان الله، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملا، وقد ذكر بعض العلماء أن زمن إدريس كان قبل نوح عليه السلام والبعض الآخر ذكر أنه جاء بعده، وقد ورى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال “يا أيا ذر أربعة سُريانيون آدم وشيث وأخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم، ونوح” عليهم جميعا الصلاة والسلام .