الدكروري يكتب عن نبي الله إدريس عليه السلام “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إدريس عليه السلام “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله إدريس عليه السلام، فجاءه إبليس اللعين بقشرة، وقال له الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة؟ فقال له إدريس عليه السلام، الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سمّ هذه الإبرة أي ثقبها، ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور، وهذا ليس ثابتا من حيث الاسناد، وأما قول نبي الله إدريس عليه السلام، الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة، أراد به أن الله تبارك وتعالى قادر أن يصور الدنيا أصغر من سم الأبرة ويجعلها فيه، أو يجعل سم الأبرة أكبر من الدنيا فيجعلها أي الدنيا في سم الإبرة، لأن الله تبارك وتعالى على كل شىء قدير، وإنما لم يفصل له إدريس عليه الصلاة والسلام الجواب لأنه معاند، ولهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين، وقد أخذ إدريس عليه السلام في أول عمره.
بعلم شيث بن آدم عليهما السلام، ولما كبر آتاه الله النبوة والرسالة وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه ابن حبان، فصار عليه السلام يدعو إلى تطبيق شريعة الله المبنية على دين الإسلام الذي أساسه إفراد الله تعالى بالعبادة، واعتقاد أنه لا أحد يستحق العبادة إلاّ الله، وأن الله خالق كل شىء ومالك كل شىء وقادر على كل شىء، وأن كل شىء في هذا العالم يحصل بمشيئة الله وإرادته وأن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا من مخلوقاته، ولا يشبهه شىء من خلقه، ولقد دعا إدريس عليه السلام قومه إلى الإيمان بالله تعالى وحده، وذلك لما أصابهم من بعد آدم وشيث من ضياع وسوء ونزاعات وظلم وعدم اتباع شريعة الله عز وجل التي أنزلها، ولكن فئة صغيرة منهم رجعوا عما كانوا فيه، وفئة كبيرة حاربته ومن معه.
فخرج فيهم إلى مصر، فتوقف عند النيل وأخذ يسبح اسم الله ويمجده ويدعو الناس إلى مكارم الأخلاق وطاعة الله، وكانت مدة إقامة إدريس في الأرض ثمانيه مائة عام، ثم رفعه الله تعالى إليه إلى السماء الرابعة، كما ذكر الله تعالى في قوله عز وجل ” واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا” وقد تعدد رأي العلماء في هذا الأمر إلى أن نزل أمر من الله تعالى إلى ملك الموت عزرائيل عليه السلام بأن يقبض روح إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، ونزل ملك الموت، ورفع إدريس عليه السلام بجناحيه إلى السماء وقبض الله روحه فيها، والنبي الوحيد الذي رفع إلى السماء ولم تقبض روحه هو نبى الله عيسى عليه السلام، ولقد كانت البشرية قبل إرسال الرسل والأنبياء تعيش في لهو وكفر وخطأ كبير، لذا أرسل الله عز وجل.
العديد من الأنبياء والرسل لهداية الناس وتقويم حياتهم وتنظيمها، فأرسل لكل قوم نبيا يدعوهم للهداية وعبادة الله تعالى، وإن البشر بطبيعتهم ضعفاء، يحتاجون إلى من يستمدون منه القوة والرزق وطمأنينة القلب وغير ذلك، وهذا لا يتوفر إلا في الإله الذي خلقهم، لذلك كان الكفار يصنعون آلهة بأيديهم ليعبدوها وسيتمدوا منها القوة، وليبثوا إليها شكواهم ويطلبوا منها حاجاتهم، فعاش نبي الله إدريس عليه السلام يعلم الناس شريعة الإسلام وأحكام دين الله، مع أن الناس الذين كانوا في زمانه كانوا مسلمين مؤمنين يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئا، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن ظهر إبليس اللعين للناس في صورة إنسان ليفتنهم عن دين الإسلام، وأمرهم أن يعملوا صورا وتماثيل لخمسة من الصالحين كانوا معروفين بين قومهم.
بالمنزلة والقدر والصلاح، وكان في شرع إدريس جواز عمل تماثيل للأشخاص ثم نسخ ذلك، فأطاعوه وعملوا لهم صورا وتماثيل، ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرة أخرى في وقت كثر فيه الجهل والفساد في الأرض، وأمرهم أن يعبدوا هذه التماثيل والأصنام الخمسة، فأطاعوه وعبدوهم واتخذوهم آلهة من دون الله فصاروا كافرين مشركين، وكان ذلك بعد وفاة نبي الله إدريس عليه السلام بمدة ولم يكن في ذلك الوقت نبي، ونبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام عاش بعد أبو البشر آدم على الإسلام هو ومن اتبعه ومن كان معه، يدعو المسلمين الذين كانوا في زمانه إلى تطبيق شريعة الله وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وأخذ ينهى عن مخالفة شريعة الإسلام، فأطاعه بعضهم وخالفه بعض، فنوى أن يرحل فأمر من معه أن يرحلوا معه عن وطنهم العراق.
فثقل على هؤلاء الرحيل عن وطنهم، فقالوا له وأين نجد مثل بابل إذا رحلنا؟ وبابل بالسريانية النهر، كأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال لهم إذا هاجرنا لله رزقنا غيره، أي بلدا غيره، فلما خرج نبي الله إدريس عليه السلام ومن معه من العراق ساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذي يسمى بابليون، فرأوا النيل ورأوا واديا خاليا فوقف نبي الله إدريس عليه السلام على النيل، وأخذ يتفكر في عظيم قدرة الله سبحانه ويسبح الله سبحانه وتعالى، وقد أقام نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام ومن معه في مصر يدعو الناس للالتزام بشريعة الله وكانت مدة إقامته في الأرض كما قيل اثنتين وثمانين سنة ثم رفعه الله تعالي إلى السماء ثم توفاه على هذه الأرض، وكون وفاته على الأرض هو الصحيح.