أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

اطمئن

اطمئن
بقلم د/ شيرين العدوي

“اجتهد في كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضيع الوقت إذا كنت قادرا على العمل، مكروه كل من يسيء اغتنام وقته. لا تهدر فرصة تعزز ثروة بيتك، فالعمل يأتي بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هجرت العمل”؛ يمثل هذا مقتطفا من أحد التعاليم الأدبية التي أعلت من شأن العمل وقيمته في الفكر المصري القديم.

فهل تعتقد عزيزي المواطن المصري أن مصر توقفت عن العمل ليلا أو نهارا؟! لا والله لم تتوقف لحظة واحدة . لقد دعيت من عدة أسابيع إلي مؤتمر أقامته الجمعية المصرية للإنتاج الحيواني الذي يتولى رئاسة مجلس إدارتها ا/د سامي أبو بكر وقد كان رئيسا للمؤتمر أيضا جمع هذا المؤتمر عناصر من العلماء من كل أنحاء الوطن العربي .

ما إن جلست للاستماع إلا وجدت مقولة أجدادنا السابقة محققة بحذافيرها في كافة البحوث التي قدمت في مجال التطبيقات البحثية لمجال البيولوجيا الجزيئية كعامل مساعد، وداعم في تطوير آليات الإنتاج الحيواني كما ونوعا. ما لفت انتباهي عدة أمور: جميع العلماء المشاركين من كليات الزراعة والطب البيطري ومعاهد البحوث يتسمون بروح الوطنية التي تعي مشاكل الغذاء والتغير البيئي، ويقدمون الحلول الناجعة فعلا بينما تعرقلهم أحيانا بعض الرؤى البيروقراطية التي لا تفهم طموحاتهم فأتمنى أن تنتبه الدولة لهذا لأنهم بالفعل صادقون فيما يفعلون .

كافة الباحثين كبارا وصغارا ذهبوا إلى الخارج وقدموا بحوثا نشرت في كبرى المجلات العالمية وأخذت الموافقات الدولية واكتسبوا الخبرات العلمية والعملية التي تؤهلم لإنماء مصر، وثروتها الحيوانية والزراعية، ولفت نظري أيضا روح الأبوة العلمية العظيمة التي اتسم بها كبار العلماء لشباب الباحثين بل وتكاملت الأبحاث برؤى مختلفة .

لقد قدمت مشاريع لو تم الاهتمام بها لاكتفت مصر غذائيا. من ضمن المشاريع المشروع الذي قدمه مجموعة من شباب الباحثين المتميزين وهو: “مشروع التوصيف الوراثي لعشائر الأبقار الملائمة لأفضل أداء إنتاجي تحت ظروف البيئة الإفريقية”: وهو مشروع يدرس كيفية الحفاظ على سلالة الأبقار المحلية التي قاومت لآلاف السنين كل ظروف التغير البيئي والأمراض.

هذا المشروع يأخذ على عاتقه تحسين سلالة الأبقار المحلية وذلك بتوصيف الجينوم الخاص بها في دول ثلاث إفريقية من ضمنها مصر ، وثلاث أوروبية وهو مشروع دولي عملاق توصل لنتائج مبهرة منها: التعرف على الجينات، والميزات الوراثية للسلالة البلدية، وأفضل السبل لتحسينها الوراثي بالانتخاب المبكر، وأفضل السلالات التي يمكن الخلط بينها للغرض الإنتاجي المرجو منها.

وشارك فيه الأساتذة الدكاترة: ناصر غانم، أحمد عبد الصمد، نادية فهيم وغيرهم، هذا البحث لفت نظري جدا خصوصا بعد المناقشة مع ا/د أحمد عبد الصمد الذي لفت نظري إلى أن سلالة الأبقار التي لدينا الآن في مصر مختلفة عن الأبقار التي رسمت على معابد الفراعنة ولما عدت لبعض البحوث والصور وجدت الأبقار كانت ذات قرون طويلة جدا وألوانها بين الأسود والأبيض والهجين المنقط من الأبيض والأسود وكذلك اللون الأصفر والأحمر والهجين بين الأحمر والأبيض ، السلالة التي بقيت عندنا أيضا نستطيع أن نقول عنها السلالة الشامية والتي أتت إلينا من الهند قرونها قصيرة ومقاومة جدا لظروف البيئة والأ مراض ومن هنا وجب الحفاظ عليها لأنها من آلاف السنين .

وقد تكامل هذا البحث برؤية ا د/ بهجت إدريس خريج جامعة لندن وهارفرد في بحثه المهم “ضبط وإحكام الإنتاجية عالية الجودة في صناعة الثروة الحيوانية والقدرة على الصمود والاستدامة، وقد ركز على أمراض الدم الحيوانية، وقيادة التميز في الثروة الحيوانية في بيئة “، لقد بنى بحثه على تساؤل مهم لماذا هولندا أكبر مصدرة في العالم لمنتجات الألبان، بينما السودان بما تملكه من ثروة حيوانية وسلالات ممتازة لم تستطع ذلك؟ وقد توصل إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى فن الإرادة والإدارة .

ما شدني في بحث الشباب أن مجلتي نيوزويك الأمريكية، وهآرتس العبرية قد أثبتتا بالأدلة الأثرية أن الحضارة الفرعونية تحضرت قبل 1250 عاما قبل الميلاد في نهاية العصر البرونزي باكتشاف ظاهرة التغير المناخي والغازات الدفنية التى تؤدي للجفاف فسعت لحماية شعبها من المجاعة بإنتاج كميات كبيرة من الحبوب وتخزينها؛ بل وزيادة إنتاج سلالات مهجنة تقوى على البقاء حية تحت الظروف المناخية القاسية. ربما هذا يفسر لنا قصة سيدنا يوسف وحلم فرعون. وللحديث بقية.