الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك “جزء 3”
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث ومع الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، واستدرجهم إلى صحراء ورثان، وصمد فيها الجراح مع أصحابه وأدت في النهاية إلى استشهاده، وعندما وصل الخبر إلى الخليفة بمقتله واستشهاده، وقد أمر بتسيير جيش بقيادة سعيد بن عمرو الحرشي وأرسل إلى الأمراء الأجناد بمساندة هذا الجيش وأناط بأخيه مسلمة بن عبد الملك قيادة هذا الجيش، وكان في هذا الجيش آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، وكان من كبار المجاهدين، فما إن وصل هذا الجيش إلى هناك حتى دك قلاع الخزريين واللان والأتراك وغيرهم، وضم البلاد إلى دار الخلافة الإسلامية، وغزا مسلمة بن عبد الملك الترك حتى بلغ مدينة باب الأبواب وهي ميناء كبير على بحر الخزر ومدينة كبيرة محصنة، من ناحية أذربيجان.
ومنذ ذلك التاريخ لم تصل الدولة الإسلامية إلى أكبر من هذه المساحة في الاتساع الجغرافي، وكانت من الصين شرقا إلى الأطلسي غربا، وكانت عاصمتها دمشق، وقد شجع العلماء، واهتم بالبناء واشتهر عهده بنظام العمارة الأموي، وقد أرسى الأمن في أرجاء الدولة، وفتح العديد من البلدان وأرسل الرسل ونشر الإسلام في بلاد ما وراء النهر والهند والسند وغيرها من البلدان، وعمل على تطوير الزراعة ونظام الري، وقد اهتم بالترجمة وساند العلماء والفقهاء وجلب المفكرين والعلماء إلى دمشق، وأنشأ المكتبات والمطابع ودور العلم، وكانت دمشق في عهده منارة للعلم والحضارة، وكان هشام بن عبد الملك خليفة قوي الشخصية، حازما راجح العقل، وقد تمكن من قيادة الدولة خارجيا وداخليا بصرامة ولين معا.
ويقول عنه فلهاوزن ولا شك أن المؤرخ يخطئ في تصور الخليفة هشام، إذا ظن أنه كان خليفة لا هم له إلا أمور الإدارة والشئون الداخلية، على أن هشام لم يكن جنديا ولكنه لم يكن يرهب الحروب، بل هو قد واجهها بهمة وبكل الوسائل، وجهز جيوشا كبيرة، ولم يدخر في ذلك الأموال ولا حياة الرجال وكانت يداه دائما، مشغولتين بالمشروعات الحربية في أكثر المواضع تباعدا، فقد كانت جيوشه تقف بالمرصاد للروم، واستمر في إقامة الحصون على الحدود، ولعل أبرز ما يؤخذ على هشام من مآخذ أنه تغافل عن دعاة العباسيين الذين نشطوا في عهده بشكل كبير، فقد نشطت دعوات العباسيين المُشوهة لسمعة الدولة الأموية، وكان ذلك في عهد هشام في خراسان، ويُرجّح المؤرخون ذلك سبب انتشارهم إلى كراهية هشام.
للعنف وعدم اتباعه أساليب القمع والقتل والتدمير لضبط الدولة، فاستفحل أمر الدعاة وبدأت دعوات العباسيين تكبر في نهاية عهده وبعد وفاته أيضا، ويقول ابن كثير لما مات هشام بن عبد الملك مات مُلك بني أمية وتولى، وأدبر أمر الجهاد في سبيل الله، واضطرب أمرهم جدا، وإن كانت تأخرت أيامهم بعهده، نحوا من سبع سنين، ولكن في اختلاف وهيج، وما زالوا كذلك حتى خرجت عليهم بنو العباس فاستلبوهم نعمتهم وملكهم، وقتلوا منهم خلقا وسلبوهم الخلافة، وكانت سياسة الخليفة هشام بن عبد الملك وكان أثرها في سقوط الخلافة الأموية وهو أن الخلافة الأموية واجهت مشكلات خطيرة زمن هشام بن عبد الملك على الرغم من الهدوء الظاهري، فكان أولها تفاقم حدة العصبية القبلية في الدولة بسبب سياسة تعيين الولاة.
ثم تعاظم الدعوة العباسية التي حققت نجاحا كبيرا وخاصة في خراسان، وكما كان لثورة زيد بن علي ومقتله دور في زيادة قوة الدعوة العباسية، وكذلك كان لتسلل أفكار فرقة القدرية إلى الشام زمن هشام دور في ثورة يزيد بن الوليد على الخليفة الوليد بن يزيد، والتي كان من أهم أسبابها تعمد هشام تشويه صورة الوليد بن يزيد، وقد أثرت هذه الأحداث مجتمعة تأثيرا خطيرا على الخلافة الأموية، وخاصة في ظل إقامة هشام بالرصافة وانشغاله بأموره الخاصة، وابتعاده عن مشاكل الدولة ومتابعة تطوراتها، ما عدا متابعته أمور الخلافة المالية، الأمر الذي أدى بالنهاية لإضعاف الخلافة الأموية ومن ثم انهيارها، ويقال عن هشام، كان أبوه حين ولد كان يحارب مصعب بن الزبير فلما انتصر سماه منصورا تفاؤلا بنصره.