أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

أم نبي الله موسي عليه السلام ” جزء 4″

الدكروري يكتب عن أم نبي الله موسي عليه السلام ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

أم نبي الله موسي عليه السلام ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع أم نبي الله موسي عليه السلام، والقابلة ترى هذه الحامل وتسألها وتعرف من هيأتها كم شهرا مولودها الذي في بطنها، فتسجل وقت ولادته ليأتوا إليه ويأخذوا الولد ويذبحوه، على موعد الولادة، فتصوروا نفسية ومشاعر الأم الحامل التي يأتيها هؤلاء المجرمون يسجلوا موعد الولادة ليأخذوا الولد ويذبحوه، فأي نفسية تعيش؟ وأي وضع تكون فيه وهي تعرف أن هذا الذي ينمو في بطنها ويتغذى عليها آخرته وعاقبته أنه سيؤخذ ويذبح؟ فلا تلد امرأة ذكرا إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته، كما قال ابن كثير رحمه الله وقال “وعند أهل الكتاب إنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان لتضعف شوكة بني إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم، أو قاتلوهم” وقال ابن كثير “هذا فيه نظر بل هو باطل، وإنما وقع هذا بعد بعثة موسى عليه السلام.

فجعل يقتل الولدان، إذن قضية قتل الولدان لم تكن فقط قبل ولادة نبي الله موسى، بل كانت حتى بعد بعثة نبي الله موسى، وبعد أن صار نبيا، وبعد أن أرسله الله إلى فرعون، والدليل على أن فرعون استمر يذبح أولاد بني إسرائيل حتى بعد أن بعث الله موسى إليه، ويقول الله تعالي كما جاء في سورة غافر ” فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم” ولذلك قال بنو إسرائيل لنبي الله موسى عليه السلام كما جاء في سورة الأعراف ” أوذينا من قبل من أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا” وهذا يعني أنه لم تتغير أحوالنا يا موسى، فقالوا لا فائدة يا موسى، فقال فاصبروا انتظروا، كما جاء في سورة الأعراف ” عسي ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون”

فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولا حذرا من وجود موسى، وحتى لا يخلق ولا يوجد ولا يحيا ولا يستمر في الحياة، والقدر يقول له أيها الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده، وسلطة بأسه، واتساع سلطانه، قد حكم الله العظيم الذي لا يغالب، ولا يمانع، ولا تخالف أقداره، أن هذا المولود الذي تحترز منه، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى، لا يكون مرباه إلا في دارك، وعلى فراشك، ولا يغذى إلا بطعامك وشرابك، وفي منزلك، وأنت الذي تتبناه، وتربيه، وتتعاهده، ثم يكون هلاكك في دنياك على يديه، فسبحان الله العظيم، فقد قتل فرعون أعدادا كبيرة من الأطفال حتى لا يوجد موسى، ولكن وجد موسى الذي سيهلك فرعون بسببه، ويعيش موسى في قصر فرعون، ويأكل من طعام فرعون.

ويتربى عند فرعون، وهذا من عجائب قدر الله عز وجل حتى يعلم الناس أنه لا يغني حذر من قدر، وأن الله إذا أراد شيء مهما حصل من الاحتياطات سيقع، ويتم على ما أراد الله، فعال لما يريد، وأنه هو القوي الشديد، وهو ذو البأس والحول، والطول، لا مرد لمشيئته، فلما وضعته أمه أوحى الله إليها، وهذا الوحي وحي إلهام وإرشاد، فيقول تعالي ” وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فغذا خفتي عليه فألقيه في اليم” فألهمها الله عز وجل هذا الأمر، وقذف في قلبها، وألقى في روعها وخلدها أن تجعل موسى في صندوق من خشب، وتلقيه في اليم، ويقول تعالي ” وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه” وذلك ليتعود على هذا اللبن المعين، ويطعم هذا اللبن حتى لا يقبل إلا هو فيما بعد، فكانت تصنع ما أمرت به وأرسلته ذات يوما.

وربطته بحبل وجعلته في نهر النيل فمر على دار فرعون، إذن فإنها لما خافت عليه جعلته في الصندوق الخشبي في اليم، أي في نهر النيل، فجعل ماء النهر يجري بهذا الصندوق والغلام يتهادى عليه حتى وصل بمحاذاة قصر فرعون، فشاهدت الجواري هذا الصندوق من بعيد وهو يتهادى على الماء، وأبصرته امرأة فرعون، فالتقطته الجواري فأتوا به امرأة فرعون وهي السيدة آسيا بنت مزاحم، فلما فتحت الصندوق، وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة العظيمة، وكان الله عز وجل قد ألقى على نبيه موسى عليه السلام محبة منه، فلا يراه أحد إلا أحبه، وهو سبحانه وتعالي القائل ” وألقيت عليك محبة مني” فلما رأته وقع حبه في قلبها وقعا عظيما، ولما جاء فرعون قال ما هذا وأمر بذبحه، فاستوهبته منه.