الدكروري يكتب عن أم نبي الله موسي عليه السلام ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أم نبي الله موسي عليه السلام ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع أم نبي الله موسي عليه السلام، بسبب رؤيا رآها وفسرها له المفسرون بأن هلاكه سيكون على يد طفل من بني إسرائيل، فأوحى الله عز وجل إلي أم موسى أن تضعه في صندوق وتلقيه في النيل، ووعدها الله بأنه سيحفظه ويرده إليها ويجعله من المرسلين، ففعلت ما أمرها الله بكل ثبات ويقين في وعد الله، ووضحت الآيات أحوال أمه وكيف مرت بها هذه الخطوب العصيبة من ولادته حتى رجوعه، ووصفت أحوالها وخلجات نفسها، وهي بهذا الوصف تبين لطف الله بها وحسن تدبيره لها، وذكرت لنا الآيات ما اتصفت به أم موسى عليه السلام، فقد ضربت لنا مثلا في الأمومة الحانية وفي العاطفة الجياشة الصادقة، العاطفة المنضبطة والمحكومة بالإيمان واليقين والالتزام بأوامر الله عز وجل.
فهي مع حبها لموسى وخوفها عليه فقد ألقت به في اليم امتثالا لأمر الله عز وجل ويقينا بوعده سبحانه، وقد بينت لنا أيضا الآيات موقف أخت موسى عليه السلام حيث ضربت لنا مثلا طيبا للبنت المطيعة لأمها وللأخت الفاضلة المحبة لأخيها، وللفتاة الذكية الحكيمة، القادرة على مواجهة المواقف بإيمان وثبات وبحكمة وسرعة بديهة، وكيف كان لها الأثر الكبير في نجاة نبي الله موسى عليه السلام، وقد تجلى ذلك واضحا وهي تقص أثر أخيها في حيطة وحذر، وتتحدث مع آل فرعون في ثبات وحكمة وبلاغة وفطنة، وقد كرمهما الله عز وجل بهذا العمل وأنزل في شأنهما قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، وقد أورد القرآن الكريم في هذه القصص ذكر العديد من الشخصيات، بعضهم وردت أسماؤهم صراحة وبعضهم جاء ذكرهم إشارة ورمزا.
ومن هولاء الشخصيات هي أم نبي الله موسى وأخته، ولقد اصطفى الله عز وجل الرسل واختار لهم الأرحام الشريفة التى حوتهم والوعاء الأسرى الكريم الذى نشأوا فيه واختار لهم أصحابهم وحوارييهم، وقد استفاض القرآن فى شرح أدق الخلجات الإنسانية فى لحظات الميلاد للنبى الكريم موسى عليه السلام، ولحظات الألم القاسية والمؤلمة التى عاشتها أمه يوكابد عليهما السلام، فكانت أم موسى تعلم أن وليدها قد يُذبح بعد ولادته، خصوصا بعد قرار فرعون بذبح أطفال بنى إسرائيل بعد علمه بأن وليدا منهم سيزيحه عن ملكه، وتعرف أم موسى عليه السلام باسم يوكابد، وتنسب إلى لاوي بن يعقوب عليه السلام، وزوجها هو عمران بن فاهت، وينتسب هو الآخر إلى لاوي بن يعقوب عليه السلام، وكان عمران من العاملين في قصر فرعون.
وكان جنود فرعون عندما ولدت السيدة يوكابد نبي الله موسى عليه السلام، وأبصرته طفلا ذكرا اضطرب قلبها، لأنها كانت تعلم أن فرعون قد أمر بقتل كل مولود في بني إسرائيل، لأن الكاهن أخبره أن مُلك فرعون سيذهب على يد مولود في بني إسرائيل، وخافت يوكابد على ابنها الوليد، وخشيت أن يعلم جنود فرعون وعيونه بمولد ابنها فيأخذوه منها، ويقتلوه كما فعلوا مع كثير من الأطفال، واحتارت في أمرها، ماذا تفعل لتنقذ وليدها من الهلاك المحقق؟ وهنا كانت المنة الإلهية، حيث ألهمها الله تعالى أن تهيىء للوليد الصغير صندوقا، وأن تضعه فيه، ثم تلقي به في النيل، وترسل على الشاطئ أخته لتعقب أثره، وظلت أخت موسى تتعقب أثر أخيها، حتى رأت امرأة فرعون، وهي تأمر خدمها أن يأتوا بالصندوق العائم في النيل.
وعندما عرفت أن طفلا فيه، طلبت رؤيته فأحبته، ثم طلبت من زوجها فرعون أن يتبنيا الطفل ليكون ابنا لهما، وبينما كانت السيدة يوكابد في قلق شديد على مصير ابنها الرضيع، وكانت في انتظار ابنتها لتخبرها ماذا حدث للطفل، وعادت أخت موسى إلى أمها لتخبرها بما حدث، فازداد قلق الأم على وليدها الذي وقع في أيدي آل فرعون، وحاولت زوجة فرعون أن تجعل المراضع يرضعن الطفل، ولكنه عافى المراضع، وعندئذ انبرى هامان، وأشار على أخت موسى، قائلا إن هذه الفتاة تعرفه، فخذوها حتى نعرف منها شيئا، وقالت الفتاة إنما أردت أن أكون للملك من الناصحين، وإني أعرف مرضعة تستطيع أن ترضع الطفل، فأمرها فرعون أن تأتي بها وذهبت الفتاة إلى أمها وأخبرتها بما حدث، فأسرعت السيدة يوكابد إلى فرعون.