منزلة الصدق من الدين ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع منزلة الصدق من الدين، وكذلك فإن من الصحابة المشهورين بالصدق هو الصحابى الجليل كعب بن مالك رضى الله عنه فقد قال حين تخلف عن تبوك “والله ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني أعظم من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين أنزل الوحي ” سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ” رواه البخارى، وعن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب بن مالك لما عمي قال “سمعت كعب بن مالك يحدث فينا حين تخلف عن قصة تبوك فقال والله ما أعلم أحدا أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى يومي هذا كذبا أبدا” رواه البخاري ومسلم.
وإن من مجالات الصدق، هو الصدق في الأفعال، وهو استواء الفعل على الأمر والمتابعة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أمر، كاستواء الرأس على الجسد، وهو أن تصدق السريرة العلانية، حتى لا تدل أعمالهم الظاهرة من الخشوع ونحوه على أمر في باطنه، والباطن بخلافه، فالمراءون أعمالهم الظاهرة بخلاف بواطنهم، فلذلك ليسوا بصادقين في أعمالهم، بل هم من الكذابين، وإذا استوت علانية العبد وسريرته قال الله تعالى هذا عبدي حقا، والأعمال منها ما يكون أعمال قلب ومنها ما يكون أعمال جوارح، والأمثلة في الصدق مع الله والإخلاص لله كثيرة ومنها قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فقال بعضهم لبعض “إنه والله لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق الله فيه.
توسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فكان كل واحد يذكر أرجى ما عمل في حياته لله وأصدق ما حصل منه لله حتى كان السبب في انفراجها ذلك الرجل الذي وفر أجرة الأجير وحفظها كأمانة ونماها له أيضا، حتى صارت واديا من المال، وجاء الأجير فصدقه في هذا المال المحفوظ عنده وأعطاه إياه وسلمه كاملا بعد تنميته، فهل أخذ أجرة على التنمية؟ بل هل التنمية واجبة عليه؟ لا، لكنه نماه مجانا ولم يأخذ أجرة على التنمية ولم يذكر في الحديث أنه قال له جزاك الله خيرا أو أثنى عليه، فاستاقه فلم يبق منه شيئا، حتى ما قال خذ نصفه أو خذ أرباحه وأعطني أجرتي فقط، أخذه فلم يبقِ منه شيئا فكان الفرج بسبب الدعوة الأخيرة مع الدعوات السابقة، وإن بعض الناس قد يصدقون في تعبيراتهم الفعلية وقد يكذبون.
وقد يفعل الإنسان فعلا يوهم به حدوث شيء لم يحدث أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود وذلك على سبيل المخادعة، فالمخادعة مثلما تكون بالقول تكون بالفعل أيضا، وربما يكون الكذب في الأفعال أشد خطرا وأقوى تأثيرا من الكذب في الأقوال، ومن أمثلة الكذب في الأفعال هو ما فعله إخوة نبى الله يوسف عليه السلام كما جاء فى سورة يوسف” وجاءوا على قميصه بدم كذب ” وهذه بكاء كذب ليس ببكاء حقيقي ولا صحيح كما جاء فى سورة يوسف ” وجاءوا أباهم عشاء يبكون ” وقد جعلوا في القميص دما، ذبحوا شاة فصبغوها فجعلوا الدم في هذا القميص، ليقولوا إن الذئب قد أكله، ولكن نبي الله يعقوب عليه السلام بفطنته وفراسته عرف أن هذا القميص مصبوغ بدم كذب، فليس فيه تشقيق ولا آثار مخالب ولا أنياب.
فاستغرب من كلامهم واستعجب وقال كما جاء فى سورة يوسف ” بل سولت لكم أنفسكم أمرا ” فما أعجب هذا الذئب الذي يخلع القميص عن الولد ثم يأكل الولد وليس في القميص آثار مخالب ذلك الأسد أو أنياب الذئب ولذلك جاءوا على قميصه بدم كذب ” وجاءوا أباهم عشاء يبكون ” وهو بكاء كذب، إذن، الكذب يكون في الأقوال ويكون في الأفعال وقد قالوا كذبا ” يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ” فجمعوا بين الكذب في القول والكذب في العمل، وكذلك فإن الأعمال التي يقوم بها المراءون ولو شيدوا مساجد وطبعوا كتبا وعملوا صدقات، إذا كانوا يقصدون الرياء فإنها أعمال كذب وليست بصدق، وقد يكون الكذب في الحركات التعبيرية، كإشارات اليد والعين، والحاجب والرأس.