أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

” ليلي الهمامي ” تلقي الضوء علي أبرز خطوات الإصلاح الاقتصادي في تونس

ليلي الهمامي ” تلقي الضوء علي أبرز خطوات الإصلاح الاقتصادي في تونس

حوار – علاء حمدي

بدأت تونس أولى خطوات الإصلاح الاقتصادي بمفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية أبرزها البنك الدولي وصندوق النقد.
وفي هذا الإطار تم تنظيم لقاء صحفي مع الدكتورة ليلي الهمامي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن والمرشحة السابقة للإنتخابات الرئاسية بالجمهورية التونسية وذلك لإلقاء الضوء علي أبرز خطوات الإصلاح الاقتصادي في تونس حيث تثار أسئلة عديدة أبرزها:

ما هي أبرز المعوقات أمام بدء تونس في الإصلاح الاقتصادي؟

في هذا السياق ضروري أن نشير إلى معوّقين اثنين يحدان من سرعة انجاز الإصلاحات:
أولها الاكراه الاجتماعي، حيث أفرزت سياسات ما بعد ١٤ جانفي ٢٠١١ اتساع رقعة الفقر وانهيار نصف الطبقة الوسطى تقريبا، بما يقلّص من حظوظ تطبيق سياسات رفع الدعم عن المواد الاساسية وتكريس حقيقة الأسعار أمر غير مضمون العواقب اجتماعيا، مهما كانت الاحتياطات التي يمكن للحكومة أن تتخذها.
المعوّق الثاني يتعلق بتجميد الزيادة في الأجور وتجميد الانتدابات في القطاع العام والوظيفة العمومية، وهو استهداف مباشر للقاعدة الاجتماعية التي يقوم عليها الاتحاد العام التونسي للشغل كتنظيم.
لذلك لا يمكن فهم التقارب بين قيس سعيّد ونور الدين الطبوبي على أنه حلفٌ استراتيجي. على الأصحّ، لم يكن اللقاء الاخير إلا إعلان هدنة تمكّن سعيّد من الضغط الخارجي في صلة بالاصلاحات المطلوبة، والطبوبي من تجديد شرعيته بإنجاح المؤتمر ٢٥. وهو ما حصل بالفعل الآونة الاخيرة في انتظار مواجهة أكيدة ستحددها قرارات قيس سعيّد في رفع الدعم وتجميد الأجور والانتدابات في القطاع العام والوظيفة العمومية.
وفي هذا السياق ضروري أن ننتبه إلى أن العلاقة بين قيس سعيّد والإتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن أن تكون علاقة حلف استراتيجي على الرغم من أن الإتحاد يستفيد من سياسات قيس سعيّد لتصفية حساب قديم جديد مع الاخوان المسلمين في تونس، ومع راشد الغنوشي رأسًا، الذي أدان ٢٦ جانفي ٧٨ في مواجهة الإتحاد لنظام بورقيبة، وفي مهاجمة رابطات حماية الثورة (المحميّة من النهضة) لمقرّالإتحاد خلال سنة ٢٠١٣.

 

هل الاتحاد التونسي للشغل يدعم الرئيس سعيد في خطواته لانتشال البلاد من عثرتها الاقتصادية؟

من الهام أن نشير إلى أن الإصلاحات الهيكلية التي تطالب بها المؤسسات المالية العالمية وصندوق النقد الدولي في مقدمتها، ليست بالأمر المستجَدّ، إذ أن تأزم الاقتصاد التونسي بصفة واضحة وجلية كان خلال عهدة الرئيس الباجي قايد السبسي وتحديدا ٢٠١٥ جراء توسيع الميزانية والانخراط في نهج شعبوي لم يأخذ بعين الاعتبار ضرورة احترام ضوابط الحَوكمة الرشيدة وعدم الانخراط في سياسات مخلّة بقواعد حسن التصرف. والمعلوم أن ما حصل بداية من سنة ٢٠١٤/٢٠١٥ كان نتيجة مباشرة لحكم الترويكا التي انهكت خزينة الدولة بالانتدابات والتعيينات العشوائية والزيادات المجانية في الأجور والحوافز في ظل اتجاه منظومات الإنتاج نحو الركود وأخيرا التراجع.
وبالفعل فإن حالة الفوضى السياسية وتضارب القرارات والاتجاهات في ميزانية الدولة أفقدت المستثمر المحلي والخارجي الثقة في مناخ الأعمال وفي استقرار التشريعات ذات العلاقة بمجال بعث المشاريع، من ذلك أن تونس شهدت حالة من عدم الاستقرار الجبائي مما دفع بالبلاد إلى فقدان مؤسسات بأكملها خاصة في مستوى المؤسسات الصغرى والمتوسطة والاتجاه نحو تداين مشطّ بلغ مستوى ال١٠٠% من الناتج المحلي، مقابل تدمير ممنهج لمنظومات الإنتاج لصالح الطرف التركي.
فكانت النتيجة الحتمية خضوع تونس للإملاءات الموجعة لصندوق النقد الدولي بعد أن دمّرت الحكومات المتعاقبة بعد ١٤ جانفي ٢٠١١ كل أرصدة تونس المالية والاقتصادية في الداخل والخارج.

هل تحتاج تونس لدعم إقليمي من بعض الدول إلى جانب مؤسسات التمويل الدولية ؟

أكيد تونس تحتاج إلى دعم إقليمي ودولي في علاقة باستعادة مسارها الديمقراطي وهذا جوهر الموضوع في هذا الظرف.
تونس مؤهلة لأن تكون ديمقراطية متقدمة ومشعة في عموم المنطقة وهذا مستقبلها وأُفُق تقدّمها. ويجب القول في هذا السياق أن قيام نظام ديكتاتوري جديد في تونس لن يقود البلاد الا إلى العنف والانقسام والتأزم. وكل دعم لهكذا نظام سيؤدي إلى مزيد من الانهيار، كل دعم سواء إقليمي من بعض الدول أو من مؤسسات التمويل الدولية للنظام الحالي في تونس، سيؤدي إلى مفعول عكسي.

هل هناك انقسام شعبي بشأن إجراءات الإصلاح أم أن هناك تفهم بين السلطة والشعب للحالة التي عليها البلاد ؟

بالفعل ثمّةَ انقسام داخل الشعبية السياسية بين تيارين:
تيار يدعم سعيّد لأن هذا التيار “يكره” النهضة الاخوانية ويدينها ويحمّلها مسؤولية خراب عشر سنوات بين المحسوبية وسوء الحوكمة.
وتيار ثانٍ يرفض الإصلاحات الهيكلية الموجعة للطبقات المحرومة والمهمشة منذ ٢٠١١، وهو نصفٌ انتظر الخلاص من قيس سعيّد ولم يجده.
ومهما كانت نتيجة سبر الآراء المعلنة في تونس حول شعبية قيس سعيد فإن حقيقة الاوضاع تؤكد أن المواقف الانفعالية تنهار أمام الواقع الموجع للتضخم والبطالة والفقر والهجرة غير النظامية وتفاقم الاجرام والطلاق والمخدرات والانقطاع المبكر عن التعليم. وكل مظاهر التفكك والانتحار الاجتماعي.
فهما كانت الأرقام الرومنسية لسبر الآراء فإن بؤس الواقع يُسقِطُها بالضرورة.

 

هل الشعب التونسي لديه القدرة على تحمل أعباء وإجراءات الإصلاح الاقتصادي القاسية وابرزها خفض الدعم ؟

بعد مرور عشر سنوات من الانتظار والضياع والعذاب، لم يعد في إمكان الشعب التونسي أن يواصل رحلة الصبر على الماسكين بالسلطة حتى وإن كان قيس سعيّد قد حشّد من خلال خطابه المعادي للنهضة أغلبية لا يستهان بها، لكن هذه الأغلبية مرشحة للتضاؤل والتفكك لأمرين على الاقل :
١- الأمر الاول أن سعيّد لم يفكك فعليا حركة النهضة ولم يحسم في أمرها ولم يهاجمها كتنظيم ولم يُقنِع عُموم الشعب بأسباب تفعيل الفصل ٨٠ من الدستور حيث لم يُثبت قيس سعيّد إلى حد الآن تورط النهضة في الإرهاب أو في تبييض الاموال، وليس ثمّةَ أكثر بلاغةً من احتجاز نور الدين البحيري دون أن تُوجَّهَ له أيّةَ تُهمة واضحة. فبدى الإجراء كمجرّد حركة استعراضية، لكنها ذات مفعول عكسي، مكنت البحيري من تعاطف خارجي والنهضة الاخوانية من عنوان للتسويق الخارجي لمظلوميتها.
بالتوازي، فقدت الجماهير الشعبية الواسعة، لاحتياطي الصبر الذي يمكن ان يمنعها عن الرفض والانتفاضة، حيث كانت تعتقد الاغلبية أن سعيّد سيمكّنُها بالفعل من إجراءات اقتصادية واجتماعية عاجلة تعوضها عن سنوات الحرمان العشر هو ما لم يحصل ولو جزئيا. فكل تحركات سعيّد على الواجهة الاجتماعية أفرزت نتائج عكسية. ينضاف هذا إلى غياب كلي للبرنامج والرؤية للإصلاح الاقتصادي. فالرجل يجهل كُلِّيًّا معطيات الاقتصاد وقوانينه وما يجب أن يُصلِحَ فيه.

 

ما هو موقف الإخوان من خطوات الرئيس قيس سعيد في هذا الملف ؟

الاخوان يستثمرون أخطاء قيس سعيّد وغيره من المتواجدين على الساحة اليوم، لتجديد مشروعيتهم. ويعتبر الإخوان أن ما يفعله قيس سعيّد ومن شابهه في أسلوب عداءه للاخوان، كفيل بإلهاء الناس عن الدمار الذي تسببت فيه حركة النهضة الاخوانية. وفي المحصّلة كانت خسائر النهضة محدودة ضيّقة، لم تدمّر البنية التحتية والتنظيمية التي تقف عليها، ولا شبكات التمويل التي تدعمها وتغذّيها ولا الجهاز التنظيمي بفروعه الجمعياتية.
فالنهضة لا تزال تشكل الطرف السياسي الذي يمكن ان يعود إلى الحكم في حال تواصل الفراغ السياسي الحالي الذي يمثله قيس سعيد ومن تواجد معه أو ضده، وفي حال بقي الجيش في حالة حياد.
فأغلبية قيس سعيّد أغلبية هشّة مؤقتة وغير مؤطَّرة أو منظَّمة، ستتبخر في أول موعد انتخابي ديمقراطي، وستقاطع الانتخابات في أول مناسبة للتعبير عن غضبها. في حين ستحرك النهضة جمهور متعاطفبها حتى وإن كانت أقلية، وستشكل أغلبية داخل الطبقة السياسية لتستعيد النفوذ حتى في سياق تراجع تكتيكي وبالوكالة.