رحبعام بن سليمان “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع رحبعام بن سليمان، وغدت يهوذا ولاية من ولايات الفرس حيث انتقلت إلى ملك الاسكندر المقدوني بعد أن هزم الفرس واحتل سورية وفلسطين، وبعد وفاة الاسكندر، اقتسم قوّاده الملك، فحكم سلوقس سورية وأسس فيها دولة السلوقيين، وحكم بطليموس مصر وأسس فيها دولة البطالسة وكانت يهوذا من نصيب البطالسة، وحكم البطالسة اليهود رغم مقاومتهم العنيفة التي أكرهت بطليموس الأول على هدم القدس ودك أسوارها، وإرسال مائة ألف أسير من اليهود إلى مصر سنة ثلاثة مائة وعشون قبل الميلاد، وفي سنة مائة وثمانية وستون قبل الميلاد انتقلت يهوذا إلى حكم السلوقيين حينما احتلها انطوخيوس وهدم أسوارها ونهب هيكلها وقتل من اليهود ثمانين ألفا في ثلاثة أيام، وقد انقسم اليهود تحت حكم الإغريق إلى قسمين.
قسم اتبعوا الإغريق وسموا اليهود الإغريقين وقسم تمسكوا باليهودية وهربوا من السلوقيين وهم المكابيون نسبة إلى قائدهم يهوذا المكابي، الذي استقل بحكم أورشليم حينما دب الخلاف بين السلوقيين والبطالسة، ويعتقد اليهود أن يهوذا المكابي قد قام بإعادة بناء الهيكل مرة أخرى، ولكن حكم المكابيون لم يدم طويلا إذ دب بينهم الخلاف وضعف مركزهم واحتلهم الجيش الروماني بقيادة بومبى سنة ثلاثة وستين قبل الميلاد، وقد خضعت فلسطين لحكم الرومان وكانوا يستعملون عليهم ولاة ممن يختارون من اليهود، إلا أن اليهود كانوا دائمي الثورة، وفي عام سته وستين قبل الميلاد ثار اليهود في القدس على الحكم الروماني فحاصرهم الرومان واستطاع القائد تيتوس دخول القدس، فدمرها بالكامل وأخذ اليهود عبيدا يباعون في روما.
وهنا بدأ تواجدهم في أوروبا، وفي عهد الإمبراطور تراجان سنة مائة وسته من الميلاد،عاد اليهود إلى القدس وأخذوا في الإعداد للثورة وأعمال الشغب من جديد، فلما تولى هادريان عرش الرومان سنة حول المدينة مستعمرة رومانية وحظر على اليهود الاختتان وقراءة التوراة واحترام السبت، فثار اليهود بقيادة بار كوخبا سنة مائة وخمسة وثلاثين ميلادية، فأرسلت روما الوالي يوليوس سيفيروس فاحتل المدينة وقهر اليهود وقتل باركوخيا وذبح من اليهود خمسائة وثمانين ألف وتشتت الأحياء من اليهود في بقاع الأرض ويسمى هذا العهد بعصر الشتات، أو الدياسبورا، وأما عن مملكة يهوذا في الجنوب وكان أول ملوكها رحبعام بن سليمان وعاصمتها أورشليم وقد عاشت أكثر من أختها إسرائيل وتعرضت لغزوات من الشمال والجنوب
وكان آخرها على يد نبوخذ نصر ملك بابل وقد تغلب عليها ودفعت له الجزية، ثم ثارت مرة أخرى فغزاها فسبى من شعبها عشرة الآف من بينها أعيانها وأشرافها وكنوز الهيكل،وثارت عليه مرة أخرى فأتاها هذه المرة وهدم أسوارها وأحرق الهيكل وسبى اليهود إلى بابل، وكانت نهاية رحبعام معلومة من البداءة، ولكن الله مع ذلك أعطاه أكثر من فرصة، ولقد أعانه الله في السنوات الثلاث الأولى من حكمه فبنى مدنا وحصنها، وجاءه الكثيرون من الكهنة واللاويين الذين هربوا من يربعام، وما من شك بأن مجيئهم كان يحمل بركات مضاعفة لمملكة يهوذا، وكان للملك أن يبارك الله لأجل تحسن الظروف التي أحاطت به، لكنه للأسف، حدث العكس، إذ يقول الكتاب “ولما تثبتت مملكة رحبعام وتشددت ترك شريعة الرب هو وكل إسرائيل معه”
وقد توالت عليه الكوارث فيما بعد، على قول النبي إرميا “أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون، الحائدون عني في التراب يكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية” وهل لنا بعد ذلك أن يمتد بنا القول “اشفني يا رب فأشفى، خلصني فأخلص لأنك أنت تسبيحتي؟ ويصف أحد كتاب الغربيين نهاية الدولتين فيقول إنها هي قصة نكبات، وقصة تحررات لا تعود عليهم إلا بإرجاء نزول النكبة القاضية وهي قصة ملوك همج يحكمون شعبا من الهمج، وقد محت يد الأسر الآشوري مملكة إسرائيل من الوجود، وزال شعبها من التاريخ زوالا تاما، وظلت مملكة يهوذا تكافح حتى أسقطها البابليون سنة خمسمائة وستة وثمانون قبل الميلاد.