رحبعام بن سليمان “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع رحبعام بن سليمان، وقد حصلت في هذه الأثناء حادثة التيه أربعين سنة بعد العناد والكفر الذي حصل منهم، حتى أخرجهم الله على يد فتى نبى الله موسى، يوشع بن نون، إلى الأردن وقد دخل يوشع بن نون بقومه إلى أريحا ودارت معركة بينهم وبين قوم من الكنعانيين انتصر فيها ودخل إلى فلسطين، ولكن هل كان رحبعام في الحادية والعشرين من العمر أم في الحادية والأربعين؟ لقد أورث هذا ارتباكا عند البعض، مع أن هذا الارتباك في حد ذاته يعطينا تمسكا بالكتاب أكثر، إذ الأرقام في اللغة العبرية كانت تكتب عادة بالحروف، والحرف الذي يشير إلى الحادية، هو حرف واحد في الحالين الألف في الأبجدية العبرانية، أما الحرف الذي يشير إلى العشرين، وهو حرف الكاف، والآخر الذي يشير إلى الأربعين وهو حرف الميم.
فإنهما في الكتابة العبرانية قريبان جدا من بعضهما، حتى أنه ليصعب مرات كثيرة أمام المخطوطات التي عاشت آلاف السنين أن تتبين في المخطوطة الفرق بين الحرفين، وحتى يكون الكاتب أمينا فإنه يرسم الحرف الذي أمامه دون أدنى تغيير، ويبقى الاحتمال الثاني ويشار إليه في الهامش، ومن المرجح لهذا أن رحبعام كان في الحادية والعشرين من عمره في السن التي يقال عنها في أيامنا سن الرشد، ولكنها في الحقيقة هي السن التي تحتاج أمام المشاكل والمتاعب، إلى أمرين أساسيين يخطيء الإنسان إذا تجاوزهما، ولم يتمسك بهما، تمسكه بالحياة نفسها، وهما الإرشاد الإلهي، وخبرة الذين جازوا الصعاب والمتاعب المشابهة من قبلنا، أو الذين حنكتهم الأيام، وأورثتهم الفطنة والحذر والتأمل وإذا عجز الإنسان عن أن يملك الأمرين.
وإذا قدر له أن يتخلى عن واحد منهما، فعليه أن يطلب بكل إلحاح وإصرار مشورة الله، وعلى وجه الخصوص، عندما يقف على مفترق الطرق، وأمام أقسى المخاطر، وأشد الأزمات، وأصعب السبل، ولو أن رحبعام بن سليمان طلب من الشعب مهلة الثلاثة الأيام ليرجع فيها إلى الرب، ليعطيه التصرف الناجح الحكيم لكانت بكل تأكيد النتيجة تختلف تمام الاختلاف عما وصل إليه، فكان في حاجة قبل أن يتحدث مع أحد، أن يتحدث مع الله، وقبل أن يأخذ رأي إنسان أن يأخذ رأي الله، ولقد ضاعت مملكة الرجل، بضياع الصلة التي تربطه بالله، وفي الحقيقة إنه كان في حاجة لسؤال الله، لسبب أعمق من ذلك كثيرا، لأن مصير المملكة كان يتعلق أساسا بموقفها من الله، وهذا الشرخ الرهيب الذي حدث فيها، لم يكن مرده الشكوى، من معاملة سليمان للشعب.
مع أن هذا هو السبب الظاهر، لكن السبب الحقيقي مدون بكل وضوح وجلاء “ولم يسمع الملك للشعب لأن السبب كان من قبل الرب ليقيم كلامه الذي تكلم به الرب عن يد أخيا الشيلوني إلى يربعام بن نباط” إن مصير المملكة يرتبط بتوبتها وعودتها إلى الله، ولو عاد رحبعام إلى الله، بعد أن يحطم المرتفعات ويبدأ بمرتفعة ملوكم التي بناها سليمان خصيصا من أجل نعمة أمه، ولو عاد ليقول ما قاله جده فيما مضى “لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني” ولو عاد ليقول هذا، أو شيئا يشبه هذا لوجد حنان الله ورفقه ورحمته، وجوده وحبه، لكنه للأسف نسى الله أو تناساه، أو جهل الطريق إلى بيته فلم يعرفه إلا شكلا أو طقسا أو لماما، ولم يعرف الأساس الصحيح لأية سياسة ناجحة في حياة الإنسان على هذه الأرض.
ولقد كان العبرانيين في فلسطين فى عهد القضاة، وهو بعد وفاة يوشع بن نون عليه السلام، حيث انقسم بنو إسرائيل إلى قبائل عدة وكان حكامهم يسمون القضاة، وقد انتشرت بينهم الحروب والنزاعات، في هذا العصر حدثت هزائم كبيرة لليهود وسلب منهم التابوت وفيه عصا نبى الله موسى عليه السلام، والألواح الأصلية للتوراة وملابسه وأثار من نبى الله هارون، وينتهي هذا العصر بأخر القضاة وهو النبي صموئيل الذي طلب منه بنو إسرائيل أن يختار لهم ملكا يوحد صفوفهم ويقاتلون خلفه فبعث الله لهم الملك شاؤول وهو أول ملوك القبائل العبرانية، وتستخدم كلمة قاضي بالعبرية هى شوفيط، وفي المؤلفات الدينية اليهودية لتشير إلى معنيين، هو عام وخاص، والمعنى العام هو القاضي الذي يحكم بين الناس.