أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

سر التكرار فى القرآن الكريم “جزء 4”

سر التكرار فى القرآن الكريم “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع سر التكرار فى القرآن الكريم، وكذلك القرآن الكريم إذا قيل فيه هو قرآن، وفرقان، وبيان، وهدى، وبصائر، وشفاء، ونور، ورحمة، وروح، فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر، وكذلك أسماء الله تعالى إذا قيل الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر، فالذات واحدة، والصفات متعددة، فهذا في الأسماء المفردة، وكذلك في الجمل التامة ، فهو يعبّر عن القصة بجُمل تدل على معان فيها، ثم يعبر عنها بجُمل أخرى تدل على معان أخر، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة ، ففي كل جملة من الجُمل.

معنى ليس في الجُمل الأخر، وقد يكون المكرر قصة من قصص الأنبياء في مواضع متعددة مع اختلاف في طرق الصياغة وعرض الفكرة، كقصة آدم عليه السلام وقد ذكرت في القرآن الكريم سبع مرات، وهذا التكرار في القصص له عدة فوائد، فكان للتسلية والتثبيت لقلب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بذكر ما اتفق للأنبياء من الإيذاء والتكذيب، وذلك مما حدث له من قومه صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى فى سورة هود “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين” وقد كان الإيذاء والاضطهاد والصد عن دينه صلى الله عليه وسلم، متكررا، فكان قصص الأنبياء متكررا، تثبيتا وتسلية له صلى الله عليه وسلم.

 

وهذا التكرار هو وجه من وجوه الفصاحة، فإبراز القصة الواحدة بطرق كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة، فكان تكرار القصص أسلوبا من أساليب إظهار فصاحة القرآن الكريم، وهذا يسمى عند البلغاء هو اقتدارا، وأن الدواعي لا تتوفر على نقل القصص كتوفر الدواعي على نقل الأحكام، فلهذا تكرر القصص، وهذا التكرار في القصص قد تقع فيه بعض الزيادة مما لم يذكر في المواضع الأخرى، فمثلا قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة جاء فيها عدة أمور لم تأتِ في المواضع الأخرى، وأيضا تعديد النعم، كما جاء في قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم، وخاصة في سورة البقرة، وقد قال الزركشي، إن الرجل كان يسمع القصة من القرآن الكريم.

ثم يعود إلى أهله، ثم يهاجر بعده آخرون يحكون عنه ما نزل بعد صدور الأولين، وكان أكثر من آمن به مهاجريا، فلولا تكرر القصة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى آخرين، وكذلك سائر القصص، فأراد الله سبحانه وتعالى اشتراك الجميع فيها، فيكون فيه إفادة القوم، وزيادة تأكيد، وتبصرة لآخرين، وهم الحضور، وإضا فإن تكرار القصص وجه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، حيث عجز العرب عن الإتيان بمثل آية من القرآن الكريم، وقد كرر الله تعالى القصص إيضاحا لعجزهم، حيث عجزوا عن الإتيان بمثله بأي نظم جاؤوا وبأى عبارة عبروا، كما أن التكرار هو المناسب لقوله تعالى فى سورة هود طأم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين”

فلو ذكر قصة آدم مثلا في موضع واحد واكتفى بها، لقال العربى، ائتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزل الله سبحانه “فأتوا بعشر سور مثله مفتريات” وفي تعداد السور، دفعا لحجتهم من كل وجه، كما أن هذا التكرار لم يوقع في اللفظ هجنة، ولا أحدث مللا، بخلاف التكرار في كلام المخلوقين، وأيضا تكرار القصص في القرآن الكريم، سوى قصة نبى الله يوسف عليه السلام، جاءت مخالفة للقصص في الكتب المتقدمة، الذي جاءت كل قصة من قصصه مجموعة في موضع واحد، كما وقع لقصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم، وإظهارا لعجز العرب الذين عجزوا عن معارضة القصص المكرر وغيره، وقد يكون المكرر بعض الأوامر والنواهي والإرشادات والنصح، مما يقرر ويؤكد حكما شرعيا.

أو يحث على فضيلة، أو ينهى عن رذيلة، أو يرغب في خير، أو ينفر من شر، كالأمر بالصلاة والزكاة والصبر، والنهي عن الفواحش والمنكرات، وفى النهايه نقول بأن التكرار الذى جاء في القرآن الكريم يتبين أن الأسباب الداعية إليه هو إظهار الفصاحة، وإظهار الإعجاز، وتحقيق النعمة، وترديد المنة، والتذكير بالنعم، واقتضاء شكرها، وإظهار العناية بالأمر المكرر ليكون في السلوك أمثل وللاعتقاد أبين فى التصوير والتجسيم، وبسط الموعظة وتثبيت الحجة من الإنذار والتهويل، والتقرير والتوكيد، فالأمر إذا تكرر تقرر، دفع توهم غير المعنى المراد، فكان هذا التكرار هو بيان إعجاز القرآن الكريم للعرب، فإن من عجز عن الإتيان بالمعنى بصورة واحدة.

فإنه يعجز من باب أولى عن الإتيان بالمعنى الواحد بصور وقوالب لفظية غاية في الفصاحة والبيان، ولقد امتن الله تعالى، علينا بنعمة جليلة، حين أنزل القرآن الكريم، على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو نعمة عظيمة، حُق لنا أن نفرح بها، ونعلن اغتباطنا بها، ولو تأملنا فيما ورد من الفضائل لهذا الكتاب العزيز، لرأينا عجبا، فهو الكتاب الذي لو أنزل على الجبال الرواسي، لتصدعت وخشعت، وهو الكتاب الذي تكفل الله سبحانه وتعالى، بحفظه، ولم يكل حفظه إلى ملك أو نبي وهو الكتاب المهيمن على ما عداه من الكتب التي أنزلها الله تعالى.