سر التكرار فى القرآن الكريم “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثاني مع سر التكرار فى القرآن الكريم، وإن مصطلح المتشابه فى القرآن الكريم له دلالتان إحداهما هو أن المتشابه هو قسيم المحكم أى الذى لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان برده إلى غيره والدلالة الثانية هى التماثل فى المبنى أى الحروف التى تتكون منها الكلمة، وإن التكرار في الاصطلاح هو تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، وكل ما جاء في القرآن الكريم، منه له فائدة، وقد رد علي هذه الشبهة جمع من المعاصرين، وقد قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن الكريم إلى نوعين أحدهما هو تكرار اللفظ والمعنى، وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى، وقد جاء على وجهين هو موصول، ومفصول
أما الموصول فقد جاء على وجوه متعددة، إما تكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى فى سورة “ههيهات هيهات لما توعدون” وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى فى سرة الشرح “فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” وأما المفصول فهو فيأتي على صورتين، إما تكرار في السورة نفسها، وإما تكرار في القرآن الكريم كله، ومن أحسن ما كتب فيها ما جاء في كتاب، شبهات المشككين، وهو كتاب ألفته مجموعة من العلماء، فقد جاء في هذا الكتاب في معرض الكلام على الرد على شبهة التكرار، أنه يقع التكرار في القرآن الكريم على وجوه متعدده، فهو مرة يكون المكرر أداة تؤدي وظيفة في الجملة بعد أن تستوفي ركنيها الأساسيين.
وأخرى تتكرر كلمة مع أختها لداع، بحيث تفيد معنى لا يمكن الحصول عليه بدونها، وهى فاصلة تكرر في سورة واحدة على نمط واحد، وقصة تتكرر في مواضع متعددة مع اختلاف في طرق الصياغة، وعرض الفكرة، بعض الأوامر، والنواهي، والإرشادات، والنصح مما يقرر حكما شرعيا، أو يحث على فضيلة، أو ينهى عن رذيلة، أو يرغب في خير، أو ينفر من شر، وتكرار القرآن في جميع المواضع التي يلحظ عليها سمة التكرار، في هذا كله يباين التكرار في القرآن ما يقع في غيره من الأساليب، لأن التكرار، وهو فن قولي معروف، قد لا يسلم الأسلوب معه من القلق والاضطراب، فيكون هدفا للنقد والطعن، لأن التكرار رخصة في الأسلوب إذا صح هذا التعبير.
والرخص يجب أن تؤتى في حذر ويقظة، ومع هذه المزالق كلها جاء التكرار في القرآن الكريم محكما، وقد ورد فيه كثيرا، فليس فيه موضع قد أخذ عليه دع، دعاوى المغالين، فإن بينهم وبين القرآن الكريم تارات، فهم له أعداء وإذا أحسنا الفهم لكتاب الله فإن التكرار فيه مع سلامته من المآخذ والعيوب يؤدي وظيفتين، أولاهما وهى من الناحية الدينية، وثانيهما وهى من الناحية الأدبية، فالناحية الدينية باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وتشريع لا يخلو منها فن من فنونه، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو تقرير المكرر وتوكيده وإظهار العناية به ليكون في السلوك أمثل وللاعتقاد أبين، وأما عن الناحية الأدبية، فإن دور التكرار فيها متعدد.
وإن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدي إلى تأكيد المعاني وإبرازها في معرض الوضوح والبيان، وإن من هذا التكرار هو تكرار الأداة، ومن أمثلتها قوله تعالى “ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحِيِم” وقوله تعالى “ثم إن ربك للذيِن عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم” وإن الظاهر من النظر في الآيتين تكرار، وهو قول إن، فيهما، وهذا الظاهر يقتضي الاكتفاء ب، إن الأولى، ولم يطلب إلا خبرها، وهو في الموضعين أعني الخبر، لغفور رحيم، ولكن هذا الظاهر خولف وأعيدت إن، مرة أخرى، ولهذه المخالفة سبب، وهذا السبب هو طول الفصل بين، إن، الأولى وخبرها.