سر التكرار فى القرآن الكريم “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة إلي قيام الساعة فهو معجزة االإسلام الكبرى في كل زمان فهو كلام الله عز وجل، وهذا أعظم دليل على إعجاز القرآن، فمصدرية القرآن دليل على إعجازه فهو كلام الله عز وجل الذي يصل فضله على كل الكلام كفضل الله على كل الخلق ولذلك تحدى الله به البشرية عامة وتحدى به المشركين خاصة وما زال التحدي قائما إلى يوم القيامة فعجز الإنس والجن مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بمثلة، وقد سمع هذا التحدي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام، ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات لأنه مائة وأربع عشرة سورة.
وقد وقع التحدي بسورة واحدة، حتى لو أقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وإن في اعتصامنا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، نجاة لنا وثباتا في هذه الحياة، والتي تموج فيها الفتن والشهوات، فالقرآن الكريم، يرفع أقواما ويضع آخرين، ويأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة، ويجعله مع السفرة الكرام البررة، فمن شغله القرآن عن الدنيا عوضه الله خيرا مما ترك، ومن ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب، وأما عن الأجر والثواب للقارئ ففي كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وأما الوالدان، فإن الله لا يضيع أجرهما، فمن قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا من نور يوم القيامة، ضوؤه مثل الشمس، وهذا الكتاب هو أعظم معجزة أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلون كتاب الله ويتأثرون به فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال، ويرجونه غفران الزلات، وإن التكرار هو أسلوب عربى معروف عند العرب في العهد الأول، وإن التكرار من الفصاحة، ولقد اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب، فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن الكريم ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة، وكان هذا من جهلهم، فالتكرار الوارد في القرآن الكريم ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له، ويصدر هذا الكلام من الذي لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير، ولقد قيض الله عز وجل، لدينه ولكتابه من يبرزهما ويظهر حقيقتهما.
مصداقا لقوله تعالى فى كتابه الكريم “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” ولقد حظى القرآن الكريم باهتمام العلماء فى كل عصر وفى كل مصر، أى فى كل البلدان، ولم يخل عصر من علماء، ولقد حظى القرآن الكريم بدراسات لم يحظ بها كتاب سماوي سبقه، وذلك نوع من الحفظ الذى تكفل الله سبحانه وتعالى به، وقد التف العلماء حول القرآن الكريم، يفصلونه تفصيلا ولم يتركوا فيه شاردة ولا واردة إلا تناولوها بالدراسة والبحث وهو مع كل هذه الدراسات ما زال بكرا، فهو كلما شاب شب، ولا ينضب معينه أبدا، ومن الموضوعات التى طرقها العلماء فى سبيل المحافظة على كتاب الله عز وجل، هو موضوع التكرار فى القرآن الكريم.
فكان المفسرون فى هذا المقام أكثر عناية من غيرهم لأنه موضوع شديد الصلة بالتفسير فاجتهدوا فى إبراز الحكمة من وراء التكرار فى كل موطن وظهرت لديهم هذه الدراسة فى وقت مبكر، فيطالعنا الفراء وهو من علماء القرن الثالث الهجري فى تفسيره المسمى معاني القرآن بالعديد من مواطن التكرار فى القرآن والحكمة وراء كل موطن، وبالطبع لابد أن تتفاوت عناية المفسرين بهذا المقام فمنهم المكثر ومنهم المقل، وممن عُنى بهذه الظاهرة بشكل ملاحظ هو الإمام البغوى وذلك فى تفسيره معالم التنزيل، والإمام الزمخشرى فى كشافه، والإمام القرطبى من أعلام القرن السابع وتفسيره الجامع لأحكام القرآن الكريم، وهؤلاء الذين ألفوا فى متشابه القرآن الكريم.