الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، لأن الجارح لا يأمن أن تؤدي جراحته إلى زهوق النفس فيلزم القود، فخوف القصاص حاصل في النفس، وأن المراد من القصاص هو إيجاب التسوية، فيكون المراد أن في إيجاب التسوية حياة لغير القاتل، لأنه لا يقتل غير القاتل بخلاف ما يفعله أهل الجاهلية، ولهذا كانت العرب تقول القتل أنفى للقتل، وقتل البعض إحياء للجميع، ولذلك فإن الله تعالى رحيم بعباده، فقد شرع لهم ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وشرع لهم ما يحفظ الكليات الخمس، وهى الدين، النفس، العقل، العرض، المال، وقد يعرف البشر الحكمة من بعض الأحكام وقد يعرفون جزءا منها وقد لا يعرفونها، فالله تعالى شرع لهم ما ينفعهم وإن جهلوا الحكمة من التشريع.
وإن شرعت الشريعة الإسلامية الغراء القصاص ومع ذلك فقد أحاطت تطبيق هذه العقوبة القاسية بسياج من الضمانات والكثير من الشروط التي تبعدها عن الخطأ والشّبهة عند تطبيقها، فهناك عدالة القضاء، مع الإقرار بالجريمة، مع شهادة العُدول، مع عدم وجود أي شبهة يمكن أن يستند إليها القاضي إذا لاحت له، لينتقل من عقوبة الإعدام إلى ما بعدها من عقوبات، وهكذا فإن قتل النفس جريمة كبيرة، فقال الله تعالى فى سورة المائدة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” وهكذا يعرف المجتمع بأنه نسيج اجتماعي من صنع الإنسان، ويتكون من مجموعة من النظم والقوانين التي تحدد المعايير الاجتماعية التي تترتب على أفراد هذا المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك يعتمد المجتمع على أفراده ليبقى متماسكا، فمن دون الأفراد تنهار المجتمعات وتنعدم، ويتأثر الفرد بالمجتمع كما يتأثر المجتمع بالفرد، فعلى سبيل المثال إذا كان المجتمع يعاني من تفشي ظاهرة البطالة، وارتفاع مستوى الجريمة، واكتظاظ الطلبة في المدارس، فسوف يتأثر أفراد هذا المجتمع سلبا نتيجة لهذه العوامل، وهناك بعض العناصر الأساسية التي تشكل المجتمعات، ومنها ما العادات والقيم، والدور المترتب على الأفراد، ومنظومة القوانين، والأهداف المجتمعية، والرغبات والطموحات، والتوقعات، ويعتبر التواصل بين الأفراد في النسيج الاجتماعي من أهم العوامل المؤثرة على الصحة النفسية، فمن دون مجتمع وعلاقات اجتماعية ينهار الإنسان جسديا ومعنويا.
فاحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، فهو سبحانه، المستعان الذي يلجأ إليه كل الخلائق، اختيارا واضطرارا، وكل يستعين به في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، وكل إنسان في حاجة دائمة إلى عون الله، في كل أحواله، وفي كل أمور دينه ودنياه، فالاستعانة بالله، وسؤال الله العون على مرضاته من أنفع الدعاء، وأكثر ما تلهج به ألسنة المؤمنين وهذا التأكيد يظهر لنا، فلا تتم ركعة في صلاة دون ذكرها، وهو قول إياك نعبد وإياك نستعين ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أوصيك يا معاذ، لا تتدعنّ في دبر كل صلاة أن تقول ” اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك” فإن المؤمن يبتلى بالشر كما يبتلى بالخير، وتصيبه الضراء كما تصيبه السراء.
فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، وإذا انقشعت سحابة المحن، وسكنت عاصفة الفتن كان في الناس مأجور، وموزور، وسالم وموتور، وأعظم الوتر الوتر في الدين، ثم الوتر في النفس، ثم في الأهل والمال، ولقد اختلف المؤرخون حول موطن نشأة وانتشار ظاهرة الثأر التي تنتشر في بعض البلدان العربية، مثل مصر واليمن، فمنهم من أرجعها إلى العصر الفرعوني، ومنهم من أعادها إلى موسم الهجرة العربية إلى مصر والتي جرت في أعقاب الفتح الإسلامي، واعتمد المؤرخون الذين أرجعوا ظاهرة الثأر إلى عصور الفراعنة في تأكيد ذلك على أسطورة إيزيس وأوزوريس، وكيف دفعت إيزيس ابنها حورس للأخذ بثأر أبيه من عمه.