الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، وهذه فضلا عن أنها قولة كفر إلا أن الواحد منهم لو أنه رأى واحدا فوق امرأته، أو سرق ماله لقتله على الفور، وربما قتل كل من ظن أنه قد سرق دون أن يتحقق من السارق، فلماذا في هذا الموقف ليس عمله وحشيا، والذي أتى به الإسلام هو الوحشي، والله عز وجل يقول فى سورة البقرة ” ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون ” ولكم في القصاص مع أنه الموت، فقد أثبت الله عز وجل أن فيه الحياة كل الحياة، لأن أحدا لو قتل أباك فأنت لا تقنع قط إلا أن تقتل من أسرة القاتل مائة شخص، أنت لا تقنع إلا بإبادة الأسرة وأصحاب القبيلة كلها، ولكن الله عز وجل لم يجعل ذلك لك، بينما جعله للحاكم.
بأن يأخذ القاتل أو القاتلة فقط فيقتله في مقابل قتله لوالدك، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن نقول إن تنظيم أمور القصاص فيه توفير الحياة المستقرة الدائمة بين الناس، فمن قتل يقتل ولا يقتل غيره، ولذلك خاصة هذا الأمر يظهر في أن واحدا لو قتل آخر من أسرة أخرى لا يبحثون عن القاتل، وإنما يبحثون عن أعظم رجل، في أسرة القاتل، ويبحثون عن أعظم رجل الذي إذا قتل أوجعهم وأضرهم، وهذا على خلاف قانون الله عز وجل، لأن القاتل هو الذي يقتل فقط، فقول الله عز وجل “ولكم فى القصاص حياة” لا بد وأننا نقتنع ونعتقد أننا لو صرنا بمنهج الله عز وجل، لا بد وأن نحيا حياة كريمة، فلا يتصور أن يسكر فلان، وأن نعاقب فلانا آخر، أو أن يزني فلان وأن يرد على زناه بزنا.
فإن هذه فوضى، فهل يتصور أن رجلا زنى بأخت رجل آخر، أو بأمه، أو بامرأته، فهل يقول، أنا لا أقتله، وإنما آخذ حقي بنفسي، وهو أني أزني بامرأته كما زنى بامرأتي، أو أزني بأمه كما زنى بأمي؟ فهذه تسمى الفوضى، وأما الإسلام فإنه جعل حدا لا يزيد ولا ينقص لمن وقع في مثل هذه الفاحشة، ومن وقع في مثل هذا الجرم، فوجب عليه اتباع كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، في تلك الحدود، وهذه العقوبات بجانب كونها محققة للمصالح العامة، وحافظة للأمن العام، فهي عقوبات عادلة غاية العدل، إذ إن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها، وعدوان على الخلق والشرف والكرامة، ومقوض لنظام الأسرة والبيوت، ومروج للكثير من الشرور والمفاسد.
التي تقضي على مقومات الأفراد والجماعات، وتذهب بكيان الأمة، ومع ذلك فقد احتاط الإسلام في إثبات هذه الجريمة فاشترط شروطا لا يقام الحد إلا من خلالها، وعلى أية حال فإن الإسلام قد جعل حدودا وتعزيرات وقصاصا فأما القصاص فإنه حق الأفراد فإن شاءوا عفوا، وإن شاءوا أخذوا حقهم، وأما التعزير فكل جرم ليس فيه حد ففيه التعزير، وهكذا فأن شرع القصاص هو أنه يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلا، وفي حق من يراد جعله مقتولا وفي حق غيرهما أيضا، أما في حق من يريد أن يكون قاتلا، فلأنه إذا علم أنه لو قَتل إنه سيقتل فسوف يترك القتل فلا يقتل فيبقى حيا، وأما في حق من يراد جعله مقتولا، فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول.
وأما في حق غيرهما، فلأن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل، أو من يهم به وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأن الفتنة تعظم بسبب القتل فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس وفي تصور كون القصاص مشروعا زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل، وأيضا أن المراد من القصاص هو أن نفس القصاص سبب الحياة وذلك لأن سافك الدم إذا أقيد منه ارتدع من كان يهم بالقتل فلم يقتل، فكان القصاص نفسه سببا للحياة من هذا الوجه، وأيضا يدخل فيه القصاص في الجوارح والشجاج وذلك، لأنه إذا علم أنه إن جرح عدوه اقتص منه زجره ذلك عن الإقدام فيصير سببا لبقائهما، لأن المجروح لا يؤمن فيه الموت وكذلك الجارح إذا اقتص منه وأيضا فالشجة والجراحة، التي لا قود فيها داخلة تحت الآية.