الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، وإن من حكمة هذا التشريع الإسلامى هي الردع والتطهير، ومن هنا تظهر الأهمية البالغة لهذه الحدود الشرعية، ودون ذلك جرائم وإخلالات قد شرع لها الإسلام عقوبات التعزير، وجعل مرد تقديرها إلى اجتهاد الحاكم بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع، وإن العقوبة في الإسلام هدفها هو حفظ المصالح العامة والفردية في المجتمع، وتلك العقوبات التي تستمد شرعيتها من النصوص القطعية، وإن القصاص في الفقه الإسلامي، هو عقوبة مقدرة شرعا، تقضي بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل، والدليل على مشروعية القصاص في الإسلام هو قول الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة البقرة.
“يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون ” وإن من أهم ما تمتاز به الشريعة الإسلاميّة بأنها جاءت موضحة لكافة شؤون حياة المسلمين، وحلا لجميع مشاكلهم، حيث يعتبر القصاص من الحلول التي شرعها الله تعالى لحل المنازعات والخلافات الحاصلة ما بين جموع المسلمين، كما أنه أساس نظرية العقوبة في الشريعة الإسلامية، فالحدود في الإسلام إنما هي جزء من نظام إلهي عظيم أنزله رب العالمين على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم.
ليكون نظاما يكفل لمن اتبعه السعادة والأمان والاستقرار إلى قيام الساعة، كما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابة العزيز فى سورة البقرة ” صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ” فإن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان ووهبه الحياة وحافظ عليها وهو الذي شرع القصاص منها عندما تعتدي على حياة مماثلة لها، وإن إقامة الحد يشمل جميع المجرمين لا ينفذ على المستضعفين فقط، فتجد في اللغة العربية أن القصاص هو مطلق المساواة والتتبع، والقصاص مأخوذ من قص الأثر، وهو إتباعه، ومنه القاص لأنه يتبع الآثار، والأخبار، وقص الشعر أثره، فكأن القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها، ومشي علي سبيله فيها، ومن ذلك قوله تعالي فى سورة الكهف ” فارتدا علي آثارهما قصصا”
وقيل القص هو القطع، ويقال قصصت ما بينهما، ومنه أخذ القصاص، لأنه يجرحه مثل جرحه، أو يقتله به، ويقال أقص الحاكم فلانا من فلان، وأباده به فأمتثل منه أي اقتص منه، وإن الإسلام يحترم النفس الإنسانية ولا يفرق بين نفس المرأة ولا الرجل ولا الطفل، فإن الكل فى الإسلام سواسية، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال ” الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قال قول الزور أو قال شهادة الزور” رواه البخارى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” اجتنبوا السبع الموبقات” قيل يا رسول الله وما هن قال “الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات” رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يُصب دما حراما” رواه البخاري، ومعنى الفسحة في الدين هى سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ” إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله” رواه البخاري.