الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، ويتم توزيع الدية على أولياء الدم على حسب أنصبائهم في الميراث الشرعي من القتيل، وإن عفا أحدهم عن نصيبه في الدية فلا يسقط حق الباقين في نصيبهم منها بحسب سهمه الشرعي في الميراث، وأما ما اعتاده بعض الناس مما هو فوق ما أوجبه الشرع الشريف من قصاص أو دية فلا يحل ولا يُشرع، بل نهى عنه الله تعالى وعدَّه من الإسراف المذموم، فلا يحل لأهل القتيل، مطالبة أهل القاتل بتقديم الكفن على ملأ من الناس أو غير ذلك مما يزيد عن القصاص الذي يحكم به القاضي، أو الدية عند العفو عن القصاص، وإن المرأة متساوية مع الرجل في القصاص، لقول الحق سبحانه وتعالي كما جاء في سورة المائدة “وكتبنا فيها أن النفس بالنفس”
وكما يقول النبي الكريم صلي الله عليه وسلم عندما كتب إلي أهل اليمن ” أن الرجل يقتل بالمرأة” وكما أنه لا يجوز لأي شخص سواء كان قريب المقتول أو لا، وأن يقتص من القاتل بنفسه، ولكن يجب رفع الأمر إلى القضاء، وأنه لا مانع شرعا من تقديم كل عائلة أكفانها للعائلة الأخرى، وإن لم يرد بذلك نص شرعي أو عمل السلف، لأنه يدل على انتهاء الصراع بين العائلات والخصوم، وتعتبر ظاهرة الأخذ بالثأر ظاهرة قديمة تمتد جذورها في صعيد مصر ثم انتقلت بمرور الزمن إلى الكثير من المحافظات والقبائل، خصوصا في المجتمعات والقرى التي تحكمها الأعراف والعادات والتقاليد التي تسيّر شؤون الحياة فيه، بل تحوّلت إلى نمط حياة متكامل منذ مئات السنين.
وثقافة اجتماعية لا يجوز التنازل عنها بين العديد من العائلات، التي لا تعتبر السجن بديلا عن الثأر، فحق الدولة غير حقهم، وقانونها غير قانونهم، وعندما يطرح هذا الأمر على هذه المجتمعات، تجدهم يجيبون بتلقائية شديدة القبر أضيق كثيرا من الزنزانة، وغالبا ما تظهر عادة تقديم الكفن لوقف أى قتال من الممكن أن يحدث بسبب الثأر، والأخير عادة لها جذور عميقة خاصة فى صعيد مصر، فتصمم عائلة القتيل على الأخذ بالثأر من القاتل أو أحد أفراد عائلته، ولا يسقط الأمر بمرور الزمن، ومنذ سنوات ظهر طقس تقديم الكفن أو القودة، حيث يتصل شخص يعرف بقاضى الدم، بعائلتى القاتل والقتيل للصلح بينهما، وهى محاولات قد تمتد لشهور بل لسنوات.
ثم تقام بعدها مراسم تقديم الكفن بهدف إنهاء حالة الثأر بطريقة سلمية، وقد أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق،أنه لا مانع شرعي من تقديم القاتل كفنه إلى أولياء الدم وهم أهل القتيل، مشيرا إلى أن القصاص من القاتل يسقط بأحد أمرين هما العفو أو الموت، وأن مسألة تقديم كل عائلة أكفانها للعائلة الأخرى مسألة لم يرد بها نص من كتاب أو سُنة أو عمل السلف، بل هى عادة مستحدثة تدل على وضع أوزار الصراع بين العائلات والخصوم، وأنه لا مانع من ذلك شرعا، وأن القصاص يسقط بواحد من أمرين، أولهماعفو أولياء المقتول عنه أو عفو واحد منهم بشرط أن يكون عاقلا بالغا، وثانيهما موت الجاني قبل أن يُقتص منه، موضحا أنه إذا سقط القصاص وجبت الدية .
إلا إذا عفا الأولياء عنها، فإنها تسقط أيضا، ويشار إلى أن دية القتل الخطأ لا تسقط وإن كان القتيل هو المخطئ، ولقد قال الله تعالى “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه مَن قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” ولقد أفتى علماء الإسلام في كل المذاهب الإسلامية والمدارس الإسلامية بحرمة الثأر واعتبروه مخالفا للشريعة التي نصّت على قدسية الروح وحرمتها، ووسط هذه الأعراف يعتبر الولاء أولا للعائلة قبل الفرد بل قبل الدولة في بعض الأحيان، أيضا الثأر هو عرف اجتماعي مستقر في معظم أرجاء الصعيد وهو الوجه الآخر لهيبة العائلة وكرامتها داخل مجتمعها، ولقد شرع الإسلام عقوبات محددة مقدرة على جرائم لا يستقيم المجتمع بحصولها فيه.