الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن من فضل الله عز وجل علينا أنه سبحانه وتعالى جعل لكل مؤمن يتعرض لمصيبة الموت ويستسلم لقضاء الله ويقول كما قال الله تعالي في سورة البقرة ” إنا لله وإنا إليه راجعون” ولا يفعل ولا يقول ما يُغضب الله عز وجل إن كان من الرجال أو من النساء وإن من فعل ذلك فماذا له عند الله؟ فيقول تعالي كما جاء في سورة البقرة ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون” فإنه يصلي الله عليهم صلاة يرحمهم بها ويزيدهم هُدى في حياتهم إلي أن تنتهي آجالهم عند الله عز وجل فإذا خرجوا من الدنيا وذهبوا إلي الآخرة فازوا بقول الله عز وجل كما جاء في سورة الزمر ” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب”
أي بمعني أنهم يدخلون الجنة بغير سؤال ولا ميزان ولا صراط ولا حساب لأنهم صبروا على أمر الله وقضاء الله ولم يفعلوا ما ينهي عنه شرع الله وما نهي عنه، نبينا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه البشريات الكريمة يحاول الشيطان وتحاول النفس أن تحرم منها الإنسان الذي أصيب بالمصيبة إن كان رجلا أو امراة فتجعله يقول بلسانه قولا يُعلن به أنه يتبرّم من قضاء الله وأنه غير راضي عن أمر الله أو يفعل بيده على وجهه أو يفعل بيده في ثوبه أو يفعل أى عمل نهى عنه الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم في قوله ” ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية” فإن هذا العمل يحرمه من هذا الثواب ومع ذلك لا يستطع أن يرُدّ قضاء الله عز وجل.
ولا أن يدفع أمرا أبرمه الله تعالي إذن الحكيم في هذه الدنيا هو الذي يُسلم لأمر الله ويرضي بما قضى الله حتى لا يحرم نفسه من الثواب العظيم الذي جعله الله لمن يرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى ومن لم يرضي فعليه بما قيل في الأثر “ومن لم يرضى بقضائي فلينظر أرضا غير أرضي ويطلب رزقا غير رزقي وليختر ربا سوائي” وليعلم علم اليقين أنه لا مخرج له ولا منجى له من الله إلا الله عز وجل، وإن الانتصار للنفس من الظلم لحقّ، ولكن العفو هو الكمال والتقوى، وإن العفو والصفح هما خلقا رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأين المشمّرون المقتدون؟ وأين من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام؟ أين هم من خلق سيد المرسلين ؟
وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت “لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ويقول الله تعالي كما جاء في سورة الشوري ” وما عند الله خير وأبقي للذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون، والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون” ولقد كان العفو من هدي الرسل الكرام، فهذا نبي الله يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم، حسده إخوته وألقوه في الجب، ونال منهم ألوانا من الأذى ثم هو يقول لهم “لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” وإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ضربوا لنا أروع الأمثلة في عفوهم وصفحهم عن الناس.
فقد تخلقوا بأخلاق نبيهم في العفو والصفح، فقد روى البخاري عن بن عباس، عن عيينة بن حصن، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يا ابن الخطاب، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر، حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر بن قيس يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه “خذ العفو وأعرض عن الجاهلين” وإن هذا من الجاهلين، فقال ابن عباس رضي الله عنهما فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل، فمن أراد العزة في الدنيا والآخرة، فعليه بالعفو عن إخوانه ومسامحتهم وهذا ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا” رواه مسلم.