الدكروري يكتب عن المرأة والرجل في الإسلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المرأة والرجل في الإسلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع المرأة والرجل في الإسلام، وكذلك أيضا مجالس العلم داخل الأسر، والسماع المرأة من الوالد العالم، والزوج، والأخ، وعقد مجالس نسائية علمية للسماع والتعلم، ولقد كان للمرأة المسلمة دورا بارزا منذ عهد النبوة وأنها كانت تقوم بنظافة المسجد، وكانت تقوم على بناء وإعمار المساجد، وأما عن جامع القرويين في فاس، فيعتبر هذا الجامع الذي أصبح فيما بعد جامعا وجامعة من أقدم أوقاف نساء الغرب الإسلامي، وتأكد المصادر التاريخيةالتاريخية أن منشأة هذا الجامع هي فاطمة بنت محمد عبد الله الفهري، الذي توفي وترك لابنتيه مريم وفاطمة ثروة هائلة أنفقتاها في وجوه الخير والبر والإحسان، حيث قدمتا من القيروان واستقرتا بفاس، فنسب القرويين لفاطمة ونسب جامع الأندلس لمريم، وكان الشروع في بنائه سنة مائتان وخمسة وأربعين من الهجرة.
ولم تزل قائمة عليه إلى أن أكملته، وصلت فيه شكرا لله تعالى، وقد لعب هذا الجامع الذي أصبح جامعا وجامعة دورا كبيرا في الحياة العلمية في بلاد المغرب في حفظ الحياة العلمية والدينية، ولقنت فيه جميع العلوم، وتوافدت عليه الوفود من جميع العالم لطلب العلم، مما اضطرها إلى جعل جامع أختها مريم ملحقة من ملحقات الجامعة، فهو الجامعة الأولى في العالم، وقال المؤرخ المغربي الكبير عبد الهادي التازي وكان هذا الجامع يتوفر على مائة وأربعون كرسيا علميا، منها كرسيان اثنان خصصا للنساء يوجدان في أماكن خاصة تساعد من حيث موقعهما على تمكين المرأة من الاستماع مباشرة إلى كبار المشايخ مثل ما يسمعه الرجال، وهكذا كان في استطاعة المرأة أن تتابع ما يعطى من أعلى هذين الكرسيين لمختلف الحاضرين من الطلبة وغيرهم.
والملاحظ أن الكرسيين المذكورين ظلا معا إلى اليوم يؤديان واجبهما العلمي والتثقيفي وكان هناك العديد من مدارس البنات التي كانت تعرف باسم، دور الفقيهات، وكل حي من أحياء المدينة، بل وكل درب ومنعرج كان ينعم ببعض هذه الدور التي كانت من إنشاء سيدات محسنات أخذن على عاتقهن أن ينصبن أنفسهن لتعميم المعرفة ونشر الفضيلة، ولم تكتفي المرأة في إعمار المسجد بالبناء والتشييد بل تعداه إلى الوقف الخيري على المساجد والزوايا والربط ونذكر من النسوة اللواتي كن نماذج رائعة لفعل الخير ونشر العلم عن طريق وقف الكتب، فها هي السيدة فاطمة الحاضنة من القرن الخامس الهجري لمجموعة من المؤلفات النفيسة على جامع عقبة بن نافع بالقيروان، التي ما يزال بعضها موجودا حتى الآن في مكتبة الجامع، فقال عمر رضا كحالة عنها هي من ربات البر والإحسان.
والعقل والرأي والفكر والتدبير وسعة الإدراك وعلو الهمة، وكانت تدين بالنصرانية فأسرها بعض غزاة البحر وسيقت إلى المهدية ثم إلى القيروان على عهد المنصور الصنهاجي فاقتناها وأدخلها في حرمه، وكانت هناك أيضا زوجة الخليفة المستعصم أم ولده أبى نصر التي بنت المدرسة البشيرية في بغداد وجعلتها للمذاهب الأربعة ووقفت عليها خزانة كتب، تفرقت بددا ولا يعرف منها غير المجلد الخامس من تفسير القرآن المسمى العيون والنكت للماوردي وهو ضمن خزانة آل باش في البصرة، وإن من صور الوقف التي ساهمت المرأة في إنشائها والقيام عليها وقف المال والعقارات وغير ذلك من صور المال وهذا كذلك كثير جدا فقد وقفت النساء الغنيات المحسنات أموالهن التي تنوعت بني نقد وغلال الزراعة وأفران الخبز ونتاج الأرض من كل نوع.
والحوانيت والنقود والمزارع والبيوت وغيرها على المساجد والأئمة والقراء والعمال بالمدرسة وكأجرة وكخدمات وأدوات ومفروشات وأكل وشرب وغيرها، وإن من الواقفات الشهيرات هي السيدة جميلة بنت ناصر الدولة الحسن بن عبد الله الحمداني، وكانت من ألمع نساء عصرها في القرن الرابع الهجري على صعيد السياسة والإدارة، وقد لعبت دورا مهما في حياة أبيها وأخيها أبو تغلب، وكان ذلك في عام ثلاثة مائة وتسع وستون للهجرة، ويذكر المؤرخون أنها أوقفت على جامع النبي يونس عليه السلام، ولقد نسجت الخطط قديما وحديثا لإخراج المرأة لا سيما المسلمة من خدرها، وجعلها سلعة ممتهنة يجد فيها كل صاحب ضيعة ضيعته، ولقد أعمل الغربيون عقولهم من زمن متخذين من جهل المسلمين بتعاليم دينهم ذريعة لاتهامه بالتشدد والرجعية، وكان مما حلت به البلوى اعتبار المرأة وأعني هنا المسلمة ذراعا في حربهم على الإسلام فيما يسمى بالعولمة.