الإسراء والمعراج وآيات الله الكبري ” جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثاني مع الإسراء والمعراج وآيات الله الكبري، وأما عن قوله تعالى ” الاقصي” إشارة إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجد آخر قصي لأننا في بُعد المسافة نقول “هذا قصي” أي بعيد و”هذا أقصى” أي أبعد، وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسجد النبوي قصي بالنسبة للمسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس هو الأقصى، كما أن في الرحلة إلى المسجد الأقصى إشارة إلى أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة للبشرية، كملت على يد رسول الله محمد، بعد أن مهد لها الأنبياء والمرسلون ولهذا استووا صفوفا خلفه ليصلي بهم إماما، كما أن في اجتماع الأنبياء في المسجد الأقصى تأكيدا لحرمته وبيانا لعظمته ودعوة لأتباع كل الرسل أن يصونوه وأن يحرروه وأن يدافعوا عنه وأن يطهروه من دنس المحتلين.
وأما عن الوقفة الخامسة وهي في قوله تعالى ” الذي باركنا حوله” أي بمعني أحطنا ما حوله ببركات الدين والدنيا لأن ما حوله هو مهبط الوحي والملائكة، ومحراب الأنبياء ومكان عروجهم إلى السماء، ولذلك قال الخليل إبراهيم عليه السلام كما جاء في سورة الصافات ” إني ذاهب إلي ربي سيهدين” أي إلى حيث وجهني ربي أي إلى بر الشام،
وقال تعالي “باركنا حوله” ولم يقل “باركناه” وذلك لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد، ولو قال “باركناه” لكانت المباركة للمسجد فقط، كما أن الله تعالى أطلق المباركة ولم يحدد نوعها، لتكون مباركة عامة، روحية ومعنوية ومادية، واما عن الوقفة السادسة وهي في قوله تعالى “لنرية من آياتنا” أي أن الله تعالى هو الذي أرى رسوله الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم الآيات، بإرادته سبحانه، وفي هذا تكريم لنبينا وحبيبنا.
ورسولنا المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيم لشأنه، وقد استمر سفر الإسراء إلى المعراج صعودا في السماوات لتحقيق هذا الغرض، وهو أن تمتلئ روح رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل العظمة، وقد بين الله تعالى ذلك في آيات سورة النجم بقوله تعالي ” لقد راي من آيات ربه الكبري” وقال سبحانه وتعالي “لنرية من آياتنا” ولم يقل “لنريه آياتنا” أي أن ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من علو مقامه واستعداده الكبير هو بعض آيات الله الكبرى وليس كل الآيات، واللام في قوله تعالى ” لنرية” تعليلية، أي أن الله تعالى أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليرى من آيات ربه الكبرى، وأما عن الوقفة السابعة، وهي في قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” حيث خُتمت الآية الكريمة بذكر صفتين من صفات الله تعالى هما السمع والبصر.
والسمع هو إدراك يدرك الكلام، والبصر هو إدراك يدرك الأفعال والمرائي، ورغم أن أكثر ما يجلب الانتباه في رحلة الإسراء هو قدرة الله سبحانه وتعالي، إلا أن الآية لم تختم بما يدل على القدرة مثل “والله على كل شيء قدير” لأن قوله تعالى ” سبحان الذي أسري بعبده” دلت على القدرة، وختم الآية بما يدل على القدرة لا يضيف معنى جديدا، والله تعالى أسرى بعبده ليريه من آياته الكبرى وليسمعه ما خفي من الأصوات، والذي يُري ويُسمع لا بد أن يكون سميعا بصيرا، وفي قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” بضمير الفصل “هو” لبيان أن الله تعالى هو وحده المتصف بكمال السمع وكمال البصر، ومن هنا يمكن أن يكون المعنى “سميع” لأقوال الرسول صلي الله عليه وسلم “بصير” بأفعاله، حيث آذاه قومه وكذبوه، وقد يكون المعنى، سميع لأقوال المشركين.
حينما آذوا سمع رسول الله صليه الله عليه وسلم وكذبوه وتجهموا له، بصير بأفعالهم حينما آذوه ورموه بالحجارة، وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى ” إنه هو السميع البصير” هو تهديد لمنكري هذا الإعجاز، وأن الله تبارك وتعالى محيط بما يقولون، وبما يفعلون، وبما يمكرون، وتبدأ رحلة المعراج، بصعود أمين الوحي جبريل عليه السلام ومعه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حتى يصل الى السماء الأولى، فيطرق باب السماء الأولى، فيقول الملك الموكل بباب السماء الأولى من ؟ قال جبريل، قال ومن معك قال محمد بن عبد الله، قال أو أرسل اليه ؟ يعنى أرسل اليه ليصعد الى السماء، قال نعم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت في السماء الأولى رجل ينظر عن يمينه يجد سواد عظيم، سواد يعنى بشر، الشعر لونه أسود.