الدكروري يكتب عن أحوال في شهر رجب ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أحوال في شهر رجب ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع أحوال في شهر رجب، وقال ابن كثير رحمه الله على قوله سبحانه وتعالى كما جاء في سورة الغاشية ” وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلي نارا حامية” فقال “هذه عامة في كل من عبد الله على غير طريق الحق يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود” وقال الحسن البصري رحمه الله “لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا حجا ولا عمرة حتى يدع بدعته” وقال محمد ابن مسلم رحمه الله “ومن وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام” وإن أهل الأهواء يزعمون أن لشهر رجب فضائل وكرامات، فيخصونه بقيام ببعض لياليه، أو صيام بعض أيامه، أو الذبح فيه تقربا لله على حد زعمهم، وهذا العمل مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يزعمون أن عمرة فيه أفضل من عمرة.
فيما سواه، ويخصصون ليلة السابع والعشرين منه باحتفالات وعبادات متنوعة بزعم أنها ليلة الإسراء والمعراج، وهذا لا أصل له صحيح فلا يجوز تخصيص ذلك بشيء من العبادات، وكذلك تعظيم أول خميس فيه وقيام أول ليلة جمعة فيه وهي ما يسمونه بصلاة الرغائب وهذه كلها بدع في الدين ما أنزل الله بها من سلطان، وأما عن تغير الاشهر الحرم عند العرب في الجاهليه، فيقول الله سبحانه وتعالي “إنما النسئ زياده في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليوطئوا عده ماحرم الله زين لهم سواء أعمالهم” أي تاخير حرمه شهر لشهر اخر زياده في الكفر لانه تحريم ما احله الله وتحليل ماحرمه الله فهو كفر مضموم الي كفرهم، زين لهم الشيطان اعمالهم القبيحه حتي حسبوها حسنه، والله لايرشد القوم الكافرين الي طريق السعاده، وكان اذاجاء الشهر الحرام.
وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربه فبيحلونه ويحرمون مكانه شهر اخر، ليوافقوا العده التي هي اربعه اشهر حرم وربما زادوا في عدد الشهور فيجعلونها اربعه عشر شهرا، وإنه ليس هناك إلا طريقان، وهما طريق الهدى وطريق الهوى، فقال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في سورة القصص” فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين” فمن اتبع هواه وعبد الله بمستحسنات العقول والأهواء وخالف ما جاء به الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو معاند للشرع مُشاق لله ولرسوله، لأنه يستدرك على الشريعة ويزعم أنها غير تامة، وأنه ببدعته تلك يكملها، وقد أخرج الإمام أحمد والبزار من حديث غضيف ابن الحارث مرفوعا.
“ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة وما من أمة ابتدعت بعد نبيها في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة” والمبتدعة من أكسل الناس عن الطاعة وأكثرهم بغضا للسنة وبعدا عن الملة، وإنما نشاطهم كله في إحياء البدع، والبحث عن الأحاديث الموضوعة، والقصص المخترعة والمنامات الملفقة المكذوبة، التي تؤيد ما ذهبوا إليه من بدع ومستحسنات، فإذا ذكروا بالكتاب والسنة أعرضوا عنهما وأولوهما على غير المراد منهما وعلى غير معناهما الصحيح، ولقد جاء رجل إلى الإمام مالك ابن أنس رحمه الله تعالى فقال من أين أحرم بالحج قال من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم منه فقال الرجل فإن أحرمت من أبعد من ذلك فقال الإمام مالك لا أرى ذلك فقال الرجل وما تكره من ذلك قال أكره عليك الفتنة قال الرجل وأي فتنة في ازدياد الخير.
فقال مالك “إن الله تعالى يقول كما جاء في سورة النور ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم” وأي فتنة أعظم من أنك خصصت نفسك بفضل لم يختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خلق الله عز وجل البشر لمقاصد وغايات سامية، من أهمها هو التوحيد والتزكية والاستخلاف، فأما التوحيد، فهو الإقرار بوحدانية الله سبحانه وعدم الإشراك به، وأما التزكية، فهي عمل المؤمن بترقية نفسه، وتنقية فؤاده من الضغائن والغل والحقد وأمراض القلوب، وعلاج آفاته، وصدق الله إذ يقول في سورة الشمس” ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها” وأما الاستخلاف فهو المهمة الكبرى للإنسان في الأرض حيث قال الله تعالى لملائكته كما جاء في سورة البقرة “إني جاعل في الأرض خليفة”