أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 4″ 

الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 4″ 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، فجمعت الجيوش واستعدت للحرب، وقالت لقومها إن هو قبل الهدية ولم يُرد الحرب ودعا إلى الله، فهو نبي فاتبعوه، وإن هو لم يقبل الهدية ولم يعلمنا بما سألناه، فهو ملك من ملوك الدنيا حاربناه، فما لأحد بنا طاقة، وإن كان نبيا فما لنا بالله طاقة، ولما رجعت الرسل إلى بلقيس بما قال نبى الله سليمان عليه السلام، قالت قد والله عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة، وما نصنع بمكاثرته شيئا، وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم سارت في مائة رجل وعشرين رجلا من أشراف قومها ورؤسائها وأخيارها، مع كل رجل من وجوه جنده وأفاضل أصحابه وقادة خيله مائة رجل، ثم جمعت أبناء الملوك ثم قالت معاشر حمير أنتم تلاد الله اصطفاكم من أول الدهور.

وفضلكم بأفضل الأمور، وقد ابتلاكم بهذا النبي سليمان بن داود، فإن آمنتم وشكرتم زادكم الله نعمة، وإن كفرتم سلبكم النعم، وسلط عليكم النقم، فقالوا لها الأمر إليكي، وعلموا أنها شفيقة عليهم ناصحة لهم، فخرجت إلى نبي الله سليمان عليه السلام في مائة ألف واثني عشر ألفا وتركت جميع أجنادها بغمدان وبمأرب، وفي رواية أن بلقيس شخصت إلى نبي الله سليمان عليه السلام في اثني عشر ألف قيل معها من ملوك اليمن، تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة، وتوفيت بلقيس بعد قتل ولدها رحبعام بن سليمان بأنطاكية بسنة واحدة، وإن من بين نساء عديدات أبت مسيرة التاريخ الإنسانى إلا أن تتوقف عندهن وتفسح لهن متسعا من الحضور والتأثير فى مجراها المتدفق، وتظل المرأة الملكة التى حكمت مملكة سبأ ببلاد اليمن، وبطلة القصة الشهيرة مع النبى سليمان بن داود عليهما السلام.

والتى تبارت فى سبر أغوارها السرديات التاريخية والإبداعات الأدبية، بعدما تعرضت لها الكتب السماوية وأفرد لها المولى عز وجل قسطا معتبرا من الذكر فى قرآنه المجيد، بسورة النمل، دون التصريح باسمها، وإن شأنها فى ذلك شأن إحدى وعشرين امرأة تناولهن النص القرآنى، دونما ذكر لأسمائهن، عملا بمبدأ الإيجاز المعجز، الذى يعتمد طرقا ثلاثة للتعريف بالأشخاص، وهى الاسم والكنية واللقب، ويتم اختيار أبلغها تعبيرا عن الشخص وأقربها تحديدا لهويته حسبما يقتضيه المقام أو يوجبه السياق، ولم يستثن الحق تبارك وتعالى من ذلك سوى السيدة مريم ابنة عمران أم نبي الله عيسى عليه السلام، والتى أورد اسمها صراحة فى غير موضع بكتابه العزيز، وأما عن قوله تعالي جلت صفاته “وأوتيت من كل شىء” والذى لم يتكرر فى القرآن الكريم لدى وصف أى من نساء العالمين.

فأحسبه قولا جامعا مانعا، يفسح العنان للخيال، كى ما يصول ويجول فى تصور كمال وروعة تلك الملكة، فرغم أن التاريخ البشرى حفل بنماذج عديدة لملكات نابهات فى مشارق الأرض ومغاربها كحتشبسوت فى الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، وكليوباترا إبان العقد الخامس قبل الميلاد، وزنوبيا ملكة تدمر فى القرن الثالت الميلادى، وغيرهن كثيرات، إلا أن أيا منهن لم تحظ بشرف الذكر وجمال الوصف بالكتب السماوية، أو تستهوى مدونى السير التاريخية وأصحاب الأعمال الأدبية، بنفس القدر الذى تسنى لبلقيس ملكة سبأ، والتى منّ الله عليها بأسباب التمكين والسعادة والفخر فى دنيا الناس، من جمال الخلقة وحسن الخلق ورجاحة العقل وحسن التفكير وحزم التدبير، والشخصية القيادية، فضلا عن سمو الجاه وعلو النسب، وباستثناء ما وهبه الله لنبيه سليمان عليه السلام من ملك، لا ينبغى لأحد من بعده.

فقد اجتمعت لبلقيس جميع ركائز الملك العضود من جيش محترف ذى بأس شديد، وحاشية حصيفة تدين لملكتها بالولاء، ولا تتوان فى تقديم النصح والمشورة، أو تتقاعس عن التضحية بالغالى والنفيس طاعة لملكتهم ونصرة لها، وإلى عظم سؤدد ملكة سبأ أشار القرآن الكريم بالقول “ولها عرش عظيم” وهو الذى حارت الأقلام والأفهام فى وصفه، حتى ذهب المستند منها إلى مرجعيات تلمودية إلى أن بلقيس كانت تسكن قصرا مشيدا وتتكئ على سرير من ذهب قوائمه من الجوهر واللؤلؤ بما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب، ولقد ضربت بلقيس مثالا يحتذى فى إدارتها لأزمتها مع النبى سليمان عليه السلام، الذى أرسل إليها كتابا، يدعوها فيه إلى الإنابة لله ورسوله بأن تأتيه وقومها مسلمين مذعنين، فبمنتهى الحكمة والتعقل.